وإلى هذا - والله أعلم - تشير ترجمة البخاري في كتاب العلم كما مرّ آنفًا.

فأما تفسير بعض الشرَّاح (?) إنكار قلوبهم بأن ينسبوه إلى الفخر دونهم، فلا يخفى ضعفه، وأيُّ مفسدةٍ في هذا؟ وقد كان ميسورًا أن يشركهم في البناء، أو يَكِلَه إليهم، ويَدَعَ الفخر لهم.

والحامل لهذا القائل على ما قاله: ظنُّه أن المراد بقومها الذين قصَّروا هم الذين بنوه البناء الأخير الذي حضره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان قبل البعثة بخمس سنين فيما قيل، فرأى ذاك القائل أنه لا مجال للارتياب في صدق القول؛ لأن العهد قريب، وأكثرهم شاهدوا ذلك.

والظاهر أن التقصير كان قديمًا، وقد ورد أن قريشًا بَنَتِ الكعبة في عهد قُصيّ، فلعل التقصير وقع حينئذٍ، وإنما بنوها أخيرًا على ما كانت عليه من عهد قصي، وجهل التقصير لطول المدة.

والمقصود: أن الإنكار الذي خَشِيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفسدة عظيمة لا يقاربها إنكار بعض الناس تأخير المقام. والعالم تُعرض عليه الحجة فيزول إنكاره، والجاهل تبعٌ له.

وقد جرت العادة بأن الناس يستنكرون خلاف ما ألِفُوه، ولكنه إذا عُمِل به وظهرت مصلحته انقلب الإنكار رضًا وشكرًا.

الوجه الثالث: أن المقام نفسه أُخِّر في صدر الإِسلام عن موضعه الأصلي بجنب الكعبة للعلة الداعية إلى تأخيره الآن نفسها، وكان من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015