كالتسبيح في الركوع والسجود يكون ثوابها - والله أعلم - بذلك التضعيف، فإذا تركها الإِمام، وأدَّاها المأموم فالأصل أن لا يكون له ذلك التضعيف، إلا أن يُعوَّضه الله عزَّ وجلَّ من حسنات الإِمام؛ لأن الفوات إنما جاء بتقصير الإِمام.
فقوله: "الإِمام ضامن" لو انفردت كان الظاهر أن يتضمن ما تعمَّد الإخلالَ به، أو أخطأ ولكن لتقصيرٍ بيِّن. فأما إذا قُرنتَ بقوله: "والمؤذن مؤتمن" فإن ذلك يُشعِر بأن الإِمام يضمن وإن لم يُقصِّر، وذلك أن من الأشياء ما تُضمن بشرط التقصير كالوديعة، ومنها ما تضمن وإن لم يقصّر، كالمبيع في يد المشتري إذا عرض له نقص كقطع رجل الدابة مثلاً، ثم ظهر به عيب قديم، فأراد المشتري أن يردَّه، فإن النقص الحادث محكوم به على المشتري، وإن كان بدون تقصيره، والمؤتمن يضمن إذا قصَّر. فلو كان الإِمام لا يضمن إلا إذا قصَّر لكان مساويًا للمؤذن، فلما فرق بينهما فقيل: "الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن" دلَّ ذلك على أن ضمان الإِمام أشدُّ، وتأكَّد ذلك بما في بعض الروايات: "اللهم أَرشدِ الأئمة واغْفِر للمؤذنين"، فدعا للأئمة بالإرشاد حتى لا يقع منهم إخلال، ودعا للمؤذنين بالمغفرة، وذلك يُشعِر بأن الأئمة إذا أخلُّوا فلا بدَّ من الضمان، وأما المؤذنون فيُرجَى أن لا يَضمَنوا، ولذلك دعا لهم بالمغفرة.
هذا ما يُشعِر به هذا اللفظ، وأما حقيقة الحال فتُعلَم بالرجوع إلى الأصول القطعية.
فإن قيل: وكيف يَضْمَن المتنفل، ويَغْرَم للمفترض؟
قلت: إذا رضي أن يكون إمامًا فقد التزم، فيلزمه ما التزم، وإن كان متنفلًا.