والمقصود أن الحديث ظاهر في هذا المعنى، وهو معنى صحيح لا غبار عليه، فلا وجهَ لحمله على ذلك المعنى البعيد، مع ما يلزم عليه مما مرّ. والله أعلم.
[ق 25] ومما احتجوا به حديث: "إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به".
قال العثماني (?): "يدلُّ على أن الإِمام لا يكون إمامًا إلا إذا ربط المقتدي صلاتَه بصلاته، بحيث يُمكِنه الدخولُ في صلاته بنية الإِمام ... ".
أقول: قد يقرّر هذا بأن الحديث دلّ على أن شرع الإِمام إنما كان للائتمام، وعُلِم بذلك أنه إذا انتفى الائتمام انتفى شرع الإمامة، والائتمام يشمل الائتمام في أصل الصلاة المَنْوبَّة وفي أعمالها، فإذا أراد مفترض أن يقتدي بمتنفل، قيل له: أنت غير مؤتمًّ به في أصل صلاتك فكيف تتخذه إمامًا أو أنت ناوٍ أن لا تأتم به في أصل صلاتك، فكيف يصحّ مع ذلك نيتك أن تتخذه إمامًا؟
والجواب: أنها قد تقدمتْ أدلة الجواز، واستقر الأمر على أن ذلك قد كان جائزًا صحيحًا يومًا ما في عهده - صلى الله عليه وسلم -، والأصل استمرار ذلك إلا أن يثبت ناسخ، فاعلم الآن أن هذا الحديث لا يصلح ناسخًا؛ لأنه صريح في أن شرع الإمامة لم يكن أصلاً إلا للائتمام، فالائتمام المراد فيه، إما أن يصدق بائتمام المفترض بالمتنفل على ما تقدم في أدلة الجواز وإما أن لا يصدق، الثاني باطل؛ لأنه قد ثبت الجواز والصحة بعد شرع الإمامة، كما تقدم في أدلة الجواز، فتعين الأول.