وأشرف على ما فيها قهقه ضاحكاً ونزل إليها، فناديناه أن أخبرنا بما فيها وبما رأيته فلم يجبنا. فجعلت لمن يصعد ويأتيني بخبر ما فيها وخبر الرجل ألف دينار، فانتدب رجل من حمير وأخذ الدنانير ثم صعد. فلما استوى على السور قهقه ضاحكاً ثم نزل إليها، فناديناه أن أخبرنا بما ترى فلم يجبنا. فصعد ثالث وكان حاله مثل حال الرجلين، فامتنع أصحابي بعد ذلك من الصعود، فلما أيست عنها رحلت نحو البحيرة وسرت مع سور المدينة، فانتهيت إلى مكان من السور فيه كتابة بالحميرية فأمرت بانتساخها فكانت:
ليعلم المرء ذو العزّ المنيع ومن ... يرجو الخلود وما حيٌّ بمخلود!
لو انّ حيّاً ينال الخلد في مهلٍ ... لنال ذاك سليمان بن داود
سالت له العين عين القطر فائضةً ... فيه عطاءٌ جزيلٌ غير مصرود
وقال للجنّ أنشوا فيه لي أثراً ... يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يودي
فصيّروه صفاحاً ثمّ ميل به ... إلى البناء بإحكامٍ وتجويد
وأفرغوا القطر فوق السّور منحدراً ... فصار صلباً شديداً مثل صيخود
وصبّ فيه كنوز الأرض قاطبةً ... وسوف تظهر يوماً غير محدود
لم يبق من بعدها في الأرض سابغةً ... حتى تضمّن رمساً بطن أخدود
وصار في قعر بطن الأرض مضطجعاً ... مضمّناً بطوابيق الجلاميد
هذا ليعلم أنّ الملك منقطعٌ ... إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود
قال: ثم سرت حتى وافيت البحيرة عند غروب الشمس، فإذا هي مقدار ميل في ميل، كثيرة الأموج، فإذا رجل قائم فوق الماء فناديناه: من أنت؟ فقال: أنا رجل من الجن! كان سليمان بن داود حبسه والذي في هذه البحيرة. فأتيته لأنظر ما حاله، قلنا له: فما بالك قائماً فوق الماء؟ قال: سمعت صوتاً فظننته صوت رجل يأتي هذه البحيرة في كل عام مرةً، وهذا أوان مجيئه، فيصلي