4) العناية باللغة العربية، وجعلها لغة المسلمين كما كانت في صدر الإسلام، لأنها الوسيلة التي تُبقي صلة المسلمين بمصدري دينهم وبتراثهم قائمة. وكان يقول للمسلمين من غير العرب "إن اللغة العربية ليست لغة العرب حتى توضع في موازين الترجيح، وتتعاورها العصبيات بين جنس وجنس، أو تعلو إليها الأنظار الشعوبية، ولكنها لغة القرآن، وخِيَرَةُ الله لكتابه، وإذا كان للعرب عدو أو منافس ينازعهم المفاخر، أو يجاذبهم المحامد، أو يغض منهم، أو ينكر عليهم، فليس للقرآن عدو بين المسلمين، وعدو القرآن ليس من أمة القرآن، ففي هذه المنزلة أنزلوا هذه اللغة، وعلى هذه الأصل فخذوها" (37).

لقد أنزل العرب والمسلمون الذين التقوا بالإمام الإبراهيمي وتعرفوا إليه، أَنْزَلوه المنزلة اللائقة، وأحلوه الصدارة من مجالسهم، فقد رأى فيه الحكام صدق القول، وإخلاص القصد، وإباء للمشارب الكدرة، وترفعًا عن المطامع، وسموًا عن الصغائر.

ورأى فيه العلماء وأرباب الفكر- بالإضافة إلى ما سلف- علمًا غزيرًا، وفكر منيرًا، ورأيا سديدًا، وبصرًا حديدًا، وسعيًا في الخير بريئًا، ولسانًا في الحق جريئًا، واكتشفوا فيه الفقيه الذكي (38)، والعالم اللغوي (39)، والخبير الاجتماعي، والمؤرخ البعيد النظر، العميق التحليل، والأديب المتمكن، والناقد البصير، والكاتب القدير، والخطيب المصقع والسياسي البارع، فذكَّرهم- بذلك كله- بأعلام المغرب العربي وأساطينه وجهابذته، ذكَّرهم بابن رشيق المسيلى في عمدته، وبالمقري في نفحه، وبالونشرسي في معياره، وبالشاطبي في موافقاته، وبابن خلدون في مقدمته، وبابن معطي الزواوي في ألفيته، وبعبد الرحمن الأخضري في جوهره، وبابن رشد في فصل مقاله، وبابن عبد ربه في عقده وغيرهم، مما جعل "أدباء القاهرة وعلماءها يهرعون إليه ويتزاحمون عليه (40)، وأدباء العراق وعلماءه يعترفون "ونحن فى العراق هز عواطفنا وألهب أحاسيسنا في محاضراته وأحاديثه، لم نشهد أديبًا أو داعية بمقدرته وطول نفسه، وإجادته لفن القول وسعة اطلاعه" (41)، ويؤكد ذلك كله الشيخ عبد الحميد السائح، الرئيس السابق للمجلس الوطني الفلسطيني، فيقول: " ... أما العلَّامة محمد البشير الإبراهيمي فقد لقيته وخبرته، وسبرته، وكاشفني وكاشفته، حتى عرفت صدق عزيمته، وصافي طويته ... لقيته متحدثًا حديث المؤمنين الصادقين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015