لما رأيت لك عديلًا، ولا اتخذت بك بديلًا" (34). وكان يشيد برجولة أبنائها، واعتزازهم بنسبهم العربي، واعتصامهم بحبل الله، وكان يذكِّر الجميع بحق الجزائر عليهم، وبأن واجبهم نحوها واجب عيني لا كفائي، لأنها ثغر من ثغورهم، ورباط من رباطاتهم، وحصن متقدم من حصونهم. وقد كان يفعل ذلك في عزة المؤمن، وصراحة الإنسان الجزائري، وهمة العالم، "ولقد عشتُ معه شهرًا بالشرق، وحضرت بعض زياراته لبعض الرؤساء والملوك العرب، فكانت تتجلى فيه صفة العالم المسلم؛ يخاطبهم بأسمائهم، ويكلمهم بصراحة لم يتعودوها" (35).

وقد ظهر أثر عمل الإمام الإبراهيمي في تلك الاستجابة التلقائية للبلدان العربية والإسلامية- قادة وشعوبًا- لاحتضان الجهاد الجزائري الذي اندلع في نوفمبر 1954، ودعم المجاهدين الجزائريين بجميع أنواع الدعم المادي والمعنوي، ولولا ذلك العمل الكبير الذي ذكَّر العقول، وهيأ النفوس، وحرك الأحاسيس لما كان تحرُّك العرب لفائدة القضية الجزائرية بتلك السرعة، ولما كان دعمهم لها على ذلك المستوى. لقد بَلَّغَ الإمام والله أثبت، وقد زرع والله أنبت.

2) الإسلام وحقائقه، وعظمة تشريعه وواقعيته، ونبل مقاصده، وسمو مبادئه، وقدرته لا على حل مشكلات المسلمين فقط، بل على حل مشكلات البشرية جميعها. ولذلك كان الإمام كثير المؤاخذة للعلماء الذين يأخذون الإسلام تفاريق، ويخضعون كلياته لجزئيات مذاهبهم، ويصرفون المسلمين عن القرآن بدعوى "أنه عالٍ على الأفهام، وما دروا بأن لازم هذا المذهب كفر، وهو أنه إذا كان لا يفهم فإنزاله عبث، وأَنَّى يكون هذا؟ ومنزله- تعالت أسماؤه- يصفه بأنه عربي مبين، وأنه غير ذي عوج، وأنه ميسر للذكر، وينعته بأنه يهدي للتي هي أقوم، وكيف يهدي إذا كان لا يفهم؟ " (36).

3) حاضر المسلمين السيئ، وواقعهم المزري، وتشتتهم الفظيع، وتدابرهم المريع، مما سهل على الدول الأجنبية استعبادهم، بل وضرب بعضهم ببعض. فكان يدعو إلى توحيد الكلمة، وَلَمِّ الشمل، ورأب الصدع، ورتق الشق، فإذا فعلوا ذلك استطاعوا- رغم ضعفهم المادي- أن ينالوا من عدوهم، وأن يخدشوا إن لم يقدروا على أن يبطشوا، وأن يكونوا- بموقعهم- غصة في حلقه، وجلطة في دمه. لقد كان يصور بحق، ويعبر بصدق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015