إن الإمام الإبراهيمي يؤمن أن أكبر عللنا التي أطمعت أعداءنا فينا، وأطالت أيامهم في بلداننا هي تفرق كلمتنا، وتمزق شملنا، وتصدع صفنا؛ فقضى حياته داعيًا إلى الوحدة، جامعًا للشمل، راتِقًا للصف بين أبناء الوطن الواحد وبين أقطار الأمة. وقد صادف وجوده في المشرق بداية الخلاف بين حكومة الثورة المصرية وبين جماعة الإخوان المسلمين، فاستغل مكانته لدى الفريقين، وسعى- بوازعه الديني، وحسه السياسي- إلى رأب الصدع، فاجتهد "أن يسد- بينهما- الفجوة" (18).

لقد شغلت وحدةُ المسلمين فكر الإمام الإبراهيمي، وملكت عليه مشاعره، وأخذت نصيبًا موفورًا من كتاباته، ومحاضراته، ونصائحه للحكام ولقادة الأحزاب. وهو ينظر إليها- كما أسلفت- من زاويتين: الزاوية الدينية، فالمؤمنون إخوة، وأمة واحدة بنص القرآن الكريم، وهم جسم واحد بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛

والزاوبة السياسية لدرء الأخطار التي تحيط بهم، وجلب المنافع إليهم. وقد ضرب لهم المثل بالغرب الذي يفرقه كل شيء، ويوحِّدُه الكيدُ للمسلمين، حتى يصبح ذلك الكيد كَالرَّحِمِ "يرعاها الغربي للغربي" وأنه لولا- تلك الغَرْبِيَّة- ما استعبدت السبعة سبعين (19).

من أجل ذلك اعتبر الإمام الإبراهيمي "السبب الأكبر لرحلتي هذه بعد الدراسة والتعارف هو السعي في إحياء الجامعة الإسلامية التي هي خير ما يجتمع عليه الشرق وأممه وملله" (20)، فجدد- بذلك السعي- هذه الفكرة التي كان الغرب يرتعد لمجرد ذكرها، لأن معناها بروز كتلة سياسية على المسرح العالمي، تهتدي بالإسلام وتتخذه شرعة ومِنْهاجًا، ويتعاون أجزاءها للتخلص من السيطرة الأجنبية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، بل وتقدم للبشرية مشروعًا حضاريًا قويمًا يحررها من إرهاب الشيوعية غير الفطرية، وينقذها من استغلال الرأسمالية غير الخلقية.

إن أولى الناس بالتجاوب مع الإمام الإبراهيمي في كل ما دعا إليه هم نُظراؤه من العلماء، ولكن يبدو أنه كان كمن يطرق حديدًا باردًا؛ نستشف ذلك من مقاله القيم "وظيفة علماء الدين" (2) ومقاله "متى يبلغ البنيان؟ " (22).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015