غادر الإمام الإبراهيمي الجزائر يوم 7 مارس 1952؛ موليًا وجهه شطر المشرق العربي، وكانت سمعته العلمية والسياسبة قد سبقته عن طريق ما سَلَفَ ذِكْرُه، وعن طريق جريدة البصائر التي كان الإمام يحرص على إرسالها إلى شخصيات مرموقة في المشرق، وعن طريق كثير من الطلاب العرب الذين كانوا يدرسون في فرنسا، وكانوا على صلة بشُعَب جمعبة العلماء فيها، وأصبحوا- بعد عودتهم- مسؤولين وأساتذة مثل محمد المبارك، وعمر بهاء الدين الأميري، وصبحي الصالح، وجميل صليبا.
كانت سفارة الإمام الإبراهيمي إلى المشرق متعددة المهام، متنوعة الجوانب. وقد جرى التركيز- حتى الآن- عند الحديث عن هذه السفارة على الجوانب التربوية والعلمية، وأُهمل الجانب السياسي المحلي والعري والإسلامي، وهو جانب لا يقل أهمية عن الجوانب، التربوية والعلمية إن لم يفقها.
إن الجانب السياسي لهذه السفارة سيتجلَّى إِنْ قُدِّر للوثائق الرسمية للدول التي زارها، ولجامعة الدول العربية أن تنشر، أو ظهرت مذكرات الشخصيات السياسية التي التقى بها، أو اُطُّلعِ على تقارير السفارات والقنصليات والمخابرات الفرنسية في تلك الدول في ذلك العهد.
إنه ليس معقولًا أن يلتقي الإمام الإبراهيمي- ذو النظرة الشمولية للقضايا- ملك دولة أو رئيسها مدة ساعة أو أكثر؛ ليقتصر في حديثه معه على قبول عددٍ من الطلبة الجزائريين في معاهد وجامعات بَلَدِ ذلك الملك أو الرئيس، كما أنه ليس معقولاً أن يقبل الإمام أن تطول سفارته حولين كاملين (52 - 54) من أجل الحصول على عددٍ من المنح مهما كَثُر، لو لم يكن السعي لتحرير الجزائر هو الهدف الحقيقي لرحلته.
إن الذي يقرأ- بتمعن- بعض ما كتبه الإمام الإبراهيمي في هذين السنتين يُحِسُّ البعد السياسي لمهمته، المتمثل في السعي لتحرير الجزائر، فقد جاء في مقاله الرائع "تحية غائب كالآيب" (6)، وهو يخاطب وطنه: " ... وأما فِراقك فشدة يعقبها الفرج"، ويصف عمله في الشرق بأنه "سعيٌ في كشف غمتك"، ويَهوِّنُ عليه غيابه "فلا يَهُولَنَّك فراغك مني أيامًا، فعسى أن يكون المسك ختامًا، وعسي أن تسعد بآثار غيبتي أعوامًا"، ويبعث بتحياته إلى الشباب الجزائري ويُذَكِّر بالمهمة التي أُعِدُّوا لها " ... ومن شُبَّان ربيناهم للجزائر أشبالًا، ووترناهم لعدوها قِسِيًّا ونِبالًا، وصوَّرنا منهم نماذج للجيل الزاحف، بالمصاحف، وعلمناهم كيف يُحْيُون الجزائر، وكيف يَحْيَون فيها".