بلغت الجمعية- بعد عشرين سنة من تأسيسها- أشدها، واستوت على سوقها، واستغلظ عودها وتجذرت مبادئها في عقول الجزائريين، ورسخت في قلوبهم، بعد أن رأوا بأعينهم وأدركوا ببصائرهم حجم التغيير النفسي والتطور العلمي والوعي السياسي الذي أحدثته، فعلقوا عليها آمالهم:

جمعية العلماء المسلمين، ومَن … للمسلمين سواكِ اليوم منشود

خاب الرجآ في سواكِ اليوم، فاضطلعي … بِائعِبْءِ، مذ فرَّ دجال ورعديد

أمانة الشعب، قد شُدت بعاتقكم … فما لغيركمُ تُلقَى المقاليد (2)

وأدركت الجمعية أن المسؤولية الملقاة على عاتقها- دينيا وعلميًا وسياسيًا- أكبر من طاقتها، وأضخم من إمكاناتها، فولَّت وجهها إلى أخواتها، وقررت أن تستغل عمقها الاستراتيجي، وهو العالم العربي والإسلامي.

لقد بدأت جمعية العلماء هذه المرحلة بفتح مكتب لها في آخر سنة 1950 بالقاهرة، فهي أهم مركز حضاري وثقافي وسياسي في الشرق آنذاك، وهي مقر جامعة الدول العربية، وملتقى صفوةِ المفكرين وخِيرَةِ العلماء العرب.

ثم خطت الجمعية خطوة أخرى في خريف سنة 1951، فعينت كوكبة من العلماء ذوي السمعة الواسعة، والشهرة الذائعة، والمكانة الرائعة والمصداقية الكبيرة في أوطانهم وفي العالم الإسلامي، عينتهم رؤساء شرفيين لها (3)، ليقوموا بالتعريف بها وبالقضية الجزائرية التي تجاهد في سبيلها في أوساطهم ولدى المسؤولين في أوطانهم.

ثم اتصلت مباشرة- بواسطة رئيسها الإمام الإبراهيمي- في آخر سنة 1951 بالوفود العربية والإسلامية في مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد بباريس، حيث "اقترح عرض قضية الجزائر على الجمعية العامة في دورتها الحالية" (4).

ثم أوفدت رئيسها إلى المشرق في مارس 1952، سفيرًا للجزائر، وناطقًا باسم شعبها، ومعرفًا بقضيتها، ومطالبًا- وهو من لا يعجزه بيان ولا يخونه لسان- بحق الأخ على أخيه، ومذكِّرًا بواجب الأخ نحو أخيه، "وأنها- الجمعية- لا ترضى بما دون الواجب، ولا ترضى لنفسها بالتصدق والامتنان والمجاملة" (5).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015