السياق التاريخي (1952 - 1954)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لقد أتى على الجزائر حين من الدهر لم تكن- عند أخواتها- شيئًا مذكورًا، فَنُسِيت بعد أن كان اسمها على كل لسان، وجُهِلت بعد أن كانت معروفة لدى كل إنسان. ولو اقتصر الأمر على الجهل والنسيان لهان، ولكنه جاوز ذلك إلى تصديق كثير من العرب والمسلمين بأنها قطعة من فرنسا، وتسليمهم بأنها امتداد لها.

وقيَّض الله للجزائر من يُجَلِّي صورتها لأَخَواتِها، ويذكِّرُهُن بها، ويعرفها لهن بأجلى بيان وأفصح لسان، ذلكم هو الإمام محمد البشير الإبراهيمي، الذي كان يَرُدُّ - في المشرق- على من يَصفه بعلَّامة الجزائر بأنه "علَامة" الجزائر، وأنه علامة رَفْع، فقد جمع الله فيه "أقباسا من روح جمال الدين، ولمحات من إصلاح محمد عبده، وفيوضا من علم رشيد رضا" (1).

من عوامل نجاح أية حركة هو أن تُرتِّبَ مراحلها، وتضبط أطوارها، بحيث لا تسبق مرحلةٌ مرحلةً، ولا يجاوز طورٌ طورًا، ولا تُسْتَعْجَل نهاية فترة قبل أن تستوفِيَ أَمَدَها، ويحينَ أجلها، ولا تخترق سُنَن الله في النمو الطبيعي لأي كائن.

وكذلك كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فقد أعطت لكل مرحلة حقها، ولم تطلب منها ما لا تحتمله ظروفها الاجتماعية وأحوالها النفسية وأوضاعها السياسية، فلم تتجاوز مرحلة إلى التي بعدها إلا بعد الاطمئنان إلى تمام المرحلة السابقة، فأقامت كيانها طبقًا عن طبق، وأعلت بنيانها سافًا بعد سافٍ، مما جعلها تسلم من الانتكاس، وتنجو من الارتكاس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015