يموت العظماء فلا يندثر منهم إلا العنصر الترابيّ الذي يرجع إلى أصله، وتبقى معانيهم الحية في الأرض، قوّة تحرّك، ورابطة تجمع، ونورًا يهدي، وعطرًا ينعش، وهذا هو معنى العظمة، وهذا هو معنى كون العظمة خلودًا، فإن كل ما يخلف العظماء من ميراث، هو أعمال يحتذيها من بعدهم، وأفكار يهتدون بها في الحياة، وآثار مشهودة ينتفعون بها، وأمجاد يعتزّون بها ويفخرون، والاعتزازُ والفخز من الأغذية الروحية الحافظة لبقاء الجماعات، وهذه المجموعة من ميراث العظماء هي التي تسلسل بها الحياة متشابهة الأطوار قرونًا، ولولاها لانفصمت حلقاتها، فكان لكل فرد قانونٌ خاصّ، وحياة خاصّة، مقطوعة الصلة بمن قبلها ومن بعدها، فيفسد النظام ويختل الوزن وينعدم التشاكل، فينعدم التعاون.
والعظمة الحقة- عظمة الخير والجمال والمنفعة- مستمدّة عناصرها الأولى من ينابيع النبوّة، التي هي مثال لتصفية النفس من كثافة المادة وكدورة الأثرة، فهي متصلة بالله، شعر البشر بذلك أو لم يشعروا، واعترفوا بالألوهية أو جحدوا، فكل عظيم أفاد وهدى ونفع وأسعد، فهو سائر على قدم النبوة، أو هو حواريّ لمست روحه شرارة من قبس النبوّة، ومن وزن العظمة بهذا الميزان، ذاد عن حياضها أبالسة الشر من عظماء القوة والطغيان، الذين ظلموا العظمة فاقترضوها، ثم فرضوها، وعظماء العصبيات الجنسية المحدودة الذين ضاقوا عن العظمة، فضاقت بهم، فكل هؤلاء يشيل بهم ميزان الخير الدقيق، وإن رجح بهم ميزان (الخبز والدقيق).
ومن الغرائب التي ينطوي عليها الاجتماع البشريّ أن أفراده وجماعاته يشعرون بالقصور عن مراتب العظمة، ويشعرون أنهم مفتقرون إليها، لا تستقيم لهم حياة بدونها، فإذا لم