الجزائر ومعلموها وطلابها في عهد جمعية العلماء، وبذلك تتحقق أولى البراهين على عمق الأصالة العربية والعروبية في الجزائر.

واقرأ معي براعة الاستهلال، التي استهلّت «البصائر» بها عودتها في سلسلتها الثانية بعد تعطيلها بسبب الحرب العالمية من سنة 1939 إلى 1947م.

يستهلّ افتتاحيته بهذا الدعاء المؤثر في بيان ندر مثيله: "اللهم يا ناصر المستضعفين انصرنا ... واجعل لنا في كل غاشية من الفتنة، ردءًا من السكينة، وفي كل داهمة من البلاء درعًا من الصبر، وعلى كل داجية من الشك علمًا من اليقين، وفي كل نازلة من الفزع واقية من الثبات، وفي كل ناجمة من الضلال نُورًا من الهداية، ومع كل طائف من الهوى رادعًا من العقل، وفي كل عارض من الشبهة لائحًا من البرهان ... ومع كل فرعون من الطغاة المستبدين موسى من الحماة المقاومين" [ص:41].

إن من هذا البيان لسحرًا، ففيه العقيدة، والحكمة، والبلاغة، والمنطق، والتاريخ، والتصوف، وكل ذلك في عبارات قلَّت فدلَّت.

وفي نفس السياق التاريخي يمضي الكاتب في زرع حكمه، فيلقي على قارئه هذه الحكمة البالغة "كذلك حملة الألسنة والأقلام [من العلماء والمثقفين في الأمة] .. فلتأتهم المصائب من كل صوب، ولتنزل عليهم الضرورات من كل سماء، وليخرجوا من كل شيء إلا من شيئين: القلم واللسان. إن بيع القلم واللسان، أقبح من بيع الجندي لسلاحه" [ص:43].

إن هذا لهو ميثاق الشرف يَضعهُ الإبراهيمي لكل عالم ولكل مثقف في تعامله مع قضايا وطنه، ذلك أن أخطر شيء على المثقف، هو بيع الذمة، إذ تكون في ذلك نهايته، وإن عُدَّ من الأحياء.

وفي التذكير بعراقة الإنسان الجزائري، في أعماق الحضارة العربية يسوق كاتب "عيون البصائر" هذا التصوير البلاغي الفني لجهود جمعية العلماء في تثبيت أصالة الجزائر، فيقول: "وجاءت جمعية العلماء على عبوس من الدهر، وتنكر من الأقوياء فنفخت من روح العروبة في تلك الأنساب فإذا هي صريحة، وسكبت من سر البيان العربي في تلك الألسنة فإذا هي فصيحة، وأجالت الأقلام في كشف تلك الكنوز فإذا هي ناصعة بيضاء لم يزدها تقادم الزمان إلا جدة ... جمعية العلماء هي التي حققت للجزائري نسبه العربي الصريح بريئًا من شوائب الإقراف والهجنة [ص:57].

إن في كل لفظة من هذه العبارات، يكمن إيحاء يحيل إلى قضية معينة ... فإضافة إلى سحر البيان، وبراعة التصوير، وهندسة اللفظة، تضاف خُصوبة المرجعية التاريخية والعقدية، والفكرية ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015