نطوف بها ونلتزم أركانها، لما نالوا منّا نيلًا، ولما وصلنا إلى هذه الحالة، أما وقد بلغوا من تقسيمنا ما يريدون، وأصبحنا في درجة من الضعف المادي والضعف العقلي نعتقد فيها أن الله خلقنا خلقة الأرنب، وخلقهم خلقة الأسد، وجفّ القلم، ولا تبديل لخلق الله. فأول واجب علينا، بل أول نقطة يجب أن نبتدئ منها السير، هي أن نكفر بهذا الانقسام، ونكفر عليه بضدّه، وهو الوحدة الشاملة لجميع الأجزاء، وكيف يكون ذلك وقد بُنيت على ذلك التقسيم أوضاع جديدة وممالك وملوك وحدود، وان تغيير الممالك لصعب، وإن فطام الملوك عن لذة الملك لأصعب منه؟ فلنلتمس مفتاح قضيتنا من بين هذا الركام من الأدوات البالية، ولنعتصم بالأمر الميسور، وهو أن نوحّد التعليم ومناهجه، والتجارة وأوضاعها، ولنطمس هذه الحدود الفاصلة بين أجزاء الوطن الواحد، وليرتفق بعضنا ببعضنا، فيما يزيد فيه بعضنا على بعضنا، ولنكن يدًا واحدة على الأجنبي، ولنعتبر المعتدي على جزء منا معتديًا على جميع الأجزاء، وعدو العراق هو عدو مراكش، ولنذكر من خصال الأمم ما فعلته ايطاليا في ضم أجزائها، وما فعلته ألمانيا، وما فعلته فرنسا التي لم تنم لها عين ولم ينعم لها عيش في قضية الألزاس واللورين، ولو أن معتديًا اعتدى على جزء من انكلترا (وهي كجزيرة العرب) لتداعى الإنكليز من أطراف الأرض لاسترجاعه، فلمَ لا نكون كذلك؟

إنهم إن علموا ذلك منّا، وعلموا جدنا فيه تابوا عن سيرتهم فينا وأقلعوا، أما من لان للأكل فليس من حقّه أن يلوم الأكلة.

...

والذي روحي بيده ... ما يسرّني أن للعرب ثماني دول، ولا أن للمسلمين عشرين دولة، ما داموا على هذه الحالة، وإنما يسرّني ويثلج صدري أن يكون المسلمون كلهم شعبًا واحدًا بحكومة واحدة، وعلى عقيدة في الحياة واحدة، وعلى اتجاه إلى السعادة واحد، فإذا وجد هذا الشعب لم يبق لهؤلاء الأقوياء إلا أن يقولوا: إن في الشرق قومًا جبّارين، وإنه لم يبق لنا بينهم موضع.

إن القوم استضعفونا ففرّقونا فأكلونا لقمة لقمة، فأوجدوا هذا الشعب الموحّد تَحيوا وتُحيوا العالم به، أوجدوه تُسعَدوا وتُسعِدوا العالم به ... إن العالم اليوم مريض، وانه يتلمّس الشفاء، فأروه أن في الإسلام شفاءه، وانه في خصام منهك، وانه يلتمس الحكم، فأحيوا الإسلام الصحيح يكن حكمًا في مشكلة هذا العصر ... مشكلة الغنى والفقر ... تكتّلوا ففي استطاعتكم أن تتكتلوا ... تكتّلوا يمدّكم العصر بروحه ... انه عصر التكتّل، وان الأقولاء لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015