أيها الإخوان!

إن القوم درسونا وفهمونا، وتيقّنوا أننا لن نضيع ولن نفنى ما دمنا متمسّكين بالعرى القوية من الإسلام والعربية والشرق، فرمونا بالوهن في مقوّماتنا حتى تضعضعت وبدأوا بالدين فسخّروا علماءه بوسائل شتى حتى أضعفوا سلطانهم وأزالوا هيبتهم من نفوس المسلمين، ووجدوا ثغرًا قديمة من ضلالاتنا فيه فوسّعوها وأدخلوا فيه ما ليس منه، وشجّعوا البدع المحدثة في الدين بتشجيع أهلها، وأعانهم على ذلك كله الانحطاط العام الذي ابتليت به العلوم الإسلامية من المائة الثامنة إلى الآن، فكاثروها بعلومهم المادية حتى غمروها وزهدوا أهلها فيها وأصبحت عقيمة جامدة ثم عمدوا إلى الكبراء فأغووهم بالأموال والألقاب والرتب، وأغروا بينهم العداوة والبغضاء، وشغلوهم بالتوافه عن العظائم، وببعضهم عن الأجنبي، وبأنفسهم عن الشعوب، فما استفاقوا وما استفقنا إلا وأوطاننا مقسّمة، وقسمتنا هي القليلة، وممالكنا كثيرة، ولكن معانيها للأجنبي، وألفاظها لنا، ثم عمدوا إلى الشباب فرموه بهذه التهاويل من الحضارة الغربية وبهذه التعاليم التي تأتي بنيانه الفكري والعقلي من القواعد، وتحرف المسلم عن قبلته، وتحول الشرقي إلى الغرب، وإن من خصائص هذه الحضارة أن فيها كل معاني السحر وأساليب الجذب، وحسبكم منها أنها تفرّق بين المرء وأخيه والمرء وولده، فأصبح أبناؤنا يهرعون إلى معاهد العلم الغربية عن طوع مِنَّا يشبه الكره، أو عن كره يشبه الطوع، فيرجعون إلينا ومعهم العلم وأشياء أخرى ليس منها الإسلام ولا الشرقية، ومعهم أسماؤهم، وليس معهم عقولهم ولا أفكارهم، وإن هذه لهي المصيبة الكبرى التي لا نبعد إذا سمّيناها مسخًا، وليتها كانت مسخًا للأفراد، ولكنها مسخ للأمم ونسخ لمقوّماتها.

...

أيها الإخوان!

إن النقطة التي ابتدأ منها بلاؤنا وشقاؤنا هي أنهم أرادونا على الانقسام، وزيّنوه لنا كما يزيّن الشيطان للإنسان سوء عمله، فأطعناهم وانقسمنا، فوسعوا شقة الانقسام بيننا بأموالهم وأعمالهم وآرائهم وعلومهم، ولم يتركوا أداة من أدوات التقسيم إلا حشدوها في هذا السبيل، ولم يغفلوا الأستاذ والكتاب والراهب والمرأة والتاجر والسمسار حتى بلغوا الغاية في تقسيمنا شيعًا ودولًا وممالك، كما توزّع قطعة الأرض الكبيرة الصالحة إلى قطع صغيرة لا تصلح واحدة منها ولا تكفي، ثم عمدوا إلى خيرات الأرض فاحتكروها لأنفسهم، واستخرجوها بعقولهم المدبّرة، وأيدينا المسخّرة، فكان لهم منها حظ العقل، ولنا منها حظ اليد، ولو أننا تعاسرنا عليهم من أول يوم في تقسيمنا، ولذنا بكعبة الوحدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015