أيها الإخوان!
ليس من سداد الرأي أن يضيع الضعيف وقته في لوم الأقوياء، وليس من المجدي أن يدخل معه في جدل. إن من تمام معنى اللوم أن يتسبّب في توبة، أو يجر إلى إنابة، ونحن نعلم أن القوم لا يتوبون ولا يذكرون، فالواجب أن نلوم أنفسنا على التقصير، ونقرعها عن الانقياد لآراء هؤلاء القوم ولإرشادهم ... أما لومنا إياهم فهو لوم الخروف للذئب، وأما طمعنا في توبتهم فهو طمع الخروف في توبة الذئب، فإن أردتم أن تروا المثل الخارق من توبة الذئب فقلّموا أظافره، واهتموا أنيابه، كذلك إن أردتم توبة القوي فاحتقروا قوّته، واحذروا أن تكونوا زيادة فيها، فإنه يتصاغر ثم ينخذل، ثم يساويكم فإذا هو أقل منكم وأضعف. إن هذه هي الأمثال التي يعقلها الطغاة، وإن هذه هي التوبة التي يجب أن يُحملوا عليها حملًا، ويلجأوا إليها إلجاءً.
كذلك يجب أن لا نقضي أعمالنا في التلاوم، وأن لا نكون كمن قال فيهم القرآن: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ} فإذا تلاومنا فليكن ذلك زجرًا عن الشر، وردعًا عن الخلاف، ثم رجوعًا سريعًا إلى الحق، ولقد نهى شوقي إخواننا المصريين حينما كانوا يتلاومون فيشغلهم التلاوم عن قضيتهم والاستعداد، وبرأهم في موقف تجب فيه المؤاخذة الوطنية، ليردّهم إلى سبيل الرشاد، فقال:
لا يلم بعضكم على الخطب بعضًا … أيها القوم، كلكم أبرياء
فلندع اللوم والعتاب جانبًا، ولنفعل ما يفعله الصاحي حين يستيقظ من النوم من حزم وتشمير وجد، فبذلك يلحق القوافل المبكّرة، لا بالتباطؤ والإخلاد ولعن الشيطان ومعاودة النوم.
إن شبابنا هم أحق الناس باستجلاء هذه العبر، وهم أحق بوصل مبتدئهم بالخبر، وهم أحق بأخذ مواعظ الحياة عن المتنبي، وبتلقّي دروسهم الفطرية البدوية عنه، وأن لا يكونوا شبابًا- بالمعنى الذي يملأ هذه الكلمة- حتى يؤدّوا امتحانًا في الحياة على منهج المتنبي وطريقته، إذ يقول:
وأهوى من الفتيان كل سميدع … نجيب كصدر السهمري المقوَّمِ
خطت تحته العيس الفلاة وخالطت … به الخيل كُبَّات الخميس العرمرم
فإن فعلوا ذلك فأنا كفيل لهم أن يدخلوا هذا البحر المتلاطم من حضارة عصرهم ولا يغرقوا، وأن يعبّوا من هذه التعاليم المتباينة في حياة عصرهم ثم لا يشرقوا ... (تصفيق).