أيها الإخوان ... أيها الزملاء حملة الأقلام!

أحقيقة ما ترى عيناي أم خيال؟ إخوة طوّحت بهم الأقدار، وفرّقتهم صروف الدهر في الأقطار، حتى ما يلتقي رائح منهم بمبتكر، ثم يجتمعون في هذه الليلة وفي هذه البلدة على غرة وعلى غير ميعاد، كما تجتمع أشتات الزهر في إبّانها وفي مكانها، تختلف منها الألوان والأشكال، ويجمعها الشذى والطيب والجمال.

أحق أن باريس- وهي منبع شقائنا، وهي الصفحة العابسة في وجوهنا- تنزل لحظة عن عادتها فتتيح لنا أن نجتمع بين حناياها هذا الاجتماع الرائع؟ فلولا حقوق للأوطان في أعناقنا، ولولا عهود يجب أن نرعاها لديارنا، لكنّا نغفر لباريس جميع ما جرّته علينا من جرائر، ونمحو لها بهذه الحسنة جميع السيّئات، ولكن تأبى علينا ذلك دماء في تونس تسيل (تصفيق وتأثّر)، وشعب في المغارب الثلاثة يعذب، وشباب تفتح له السجون والمعتقلات، وتغلق في وجهه المدارس والمعابد، ودين في الجزائر ممتهن الكرامة، فهيهات أن نصفح عن باريس أو نصافحها بعد أن جنينا المر من ثمراتها، وهيهات أن يسمّيها دار العلم، من لم ير منها إلا الظلم، وهيهات أن يدعوها عاصمة النور من لم تغشَهُ منها إلا الظلمات، وهيهات أن يلقّبها دار المساواة من لم تعامله إلا بالإجحاف.

أيها الإخوان!

ها هو الشرق رمى باريس بأفلاذ كبده، يدافعون عن حماه بالحق، ويجادلون عن حقّه بالمنطق، وما منهم إلا السيف مضاء، والسيل اندفاعًا، وإن وراءهم لشبابًا سينطق يوم يسكتون، وسيتكلم بما يخرس الاستعمار ويسوءه، وان بعد اللسان لخطيبًا صامتًا هو السنان، وإننا لرجال، وإننا لأبناء رجال، وإننا لأحفاد رجال وإن أجدادنا دوّخوا العالم، ولكن بالعدل، وسادوه، ولكن بالإحسان، وإن فينا لقطرات من دماء أولئك الجدود، وإن فينا لبقايا مدّخرة سيجليها الله إلى حين.

رمى الشرق باريس بهذه الأفلاذ، فخاطبوا الأمم وخطبوا في منظمة الأمم، هذه المنظمة التي سمّيت بغير اسمها، وحليت بغير صفتها، وما هي إلا مجمع يقود أقوياؤه ضعفاءه، ويسوق أغنياؤه فقراءه، وما هي إلا سوق تُشترى فيه "الأصوات" بأغلى مما كانت تشترى به أصوات "الغريض" و "معبد"، غير أن الأصوات القديمة كانت فنًا يمتزج بالنفوس، وموسيقى تتسرّب إلى الخواطر، أما هذه الأصوات فإنها تنصر الظلم، وتؤيد الاستعلاء والطغيان، وشتّان ما بين الصوتين، وتباع فيه الذمم والهمم والأمم بيع البضائع في السوق السوداء، وما هي إلا مجلس نصبوه للشورى فكان للشر وعقدوه للعدل والتناصف، فكان فيه كل شيء إلا العدل والتناصف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015