فأنا حين أخاطب إخواني الكرام الذين أتاح لي الحظ السعيد أن أقف أمامهم في هذه اللحظة، لا يحلو لي إلا أن أخاطبهم بهذا الوصف الجليل، وهو وصف الأخوة الذي منذ فقدناه لم نجد أنفسنا، وكأننا حبات انقطع سلكها فانتثرت فأصبحت كل حبة منها في كف لاقط، فمعذرة إلى إخواني الذين أعتزّ بأخوتهم ان خرجت عن النمط المألوف في رسوم الخطاب، وخاطبتهم بيا أيها الإخوان (تصفيق متواصل).
أيها الإخوان المتلاقون على هوى واحد هو هوى الوطن الجامع، المتعبّدون بعقيدة واحدة هي عقيدة تحرير هذا الوطن الجامع، الطالعون كالكواكب من أفق واحد هو هذا الشرق الذي اطلعت سماؤه الشمس والقمر، وأطلعت أرضه الأنبياء والحكماء.
أحييكم باسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وباسم شعبتها المركزية بباريس، تحية العروبة التي هي أكرم ما أنجبت البشرية من سلائل، وتحية الإسلام الذي هو أصفى ما تشظت عنه صدفة الوحي من لآلئ، وتحية الشرق الذي أعتقد مخلصًا أنكم أزكى نباته، وأنكم الصفوة المختارة من بُناته. وأحييكم باسم الجزائر العربية المسلمة المجاهدة الصابرة، التي هي غصن فينان من دوحة الإسلام، وفرع ريّان من شجرة العروبة، وزهرة فوّاحة من رياض الشرق (تصفيق حاد)، تغرّبت هذه الزهرة كما تغربت قبلها نخلة عبد الرحمان الداخل، فلم تشنْها غربة، وما زالت متّصلة بالشرق العربي، تستمدّ منه القوّة والفتوّة، وما زالت متّصلة بالشرق الإسلامي، تستصبح بأنواره، وتتغنّى بأمجاده، وتعيش على ذكرياته، وهي على صلة بالشرق متينة، كانت وما زالت متمسّكة بحبله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها (تصفيق)، وما زالت قائمة على غرس عقبة والمهاجر وحسّان بن شريك، بالتعهّد والحفظ، وما زالت ناطقة بلسان هلال بن عامر بن صعصعة منذ طغت موجة أبنائه عليها ... تلك الموجة التي يسميها المؤرّخ المجحف إغارة على الأوطان، وتخريبًا للعمران، ويسمّيها المؤرّخ المنصف إنارة للأذهان وتعريبًا للسان، فحيثما حل هلال من سهولها حلّت العروبة، وأينما سار، سار في ركابه البيان العربي الذي من بقاياه ما تسمعون.
هذه هي الجزائر التي أحييكم باسمها، والتي ترون أبناءها أمامكم بين شيخة وشباب، يلتقيان في غاية واحدة، وإن نزغ بينهما الشيطان، فكما ينزغ بين الأخوين، ولكنهما في النهاية إلى التجمّع والاتحاد، وهؤلاء أبناء الجزائر الذين أحييكم باسمهم يا إخواننا، وأستحي أن أقول: يا ضيوفنا، فإننا جميعًا في دار غربة، وكم وددنا لو اجتمعت هذه الوفود في دارنا (الجزائر) فترون ما يشرح صدوركم، ويبهج خواطركم من ارتباط الجزائر بالشرق والعروبة والإسلام.