إذ لم تكن غزوة أبي المهاجر إلا تمهيداً للفتح، ثم توجه إلى المغرب الأقصى حتى انتهى إلى المحيط الأطلانطيقي، ولم يكن هذا الفتح السريع المدهش قد استأصل قوة جموع الوطن أيضاً، ففي عودة عقبة إلى القيروان من هذا الفتح هبطت إليه كاهنة جبل أوراس في جموع كثيرة وهو في قلة من أصحابه فكانت الوقعة الكبرى التي استشهد فيها عقبة وصاحبه وقال فيها أبو المهاجر كلمته الكبيرة الخالدة التي جعلناها عنوانا لهذه القصة.
كان عقبة في فتوحه مستصحباً معه أبا المهاجر وصاحبه كسيلة معتقلين، وكان يذيق كسيلة أنواع الإهانة والإذلال وكان أبو المهاجر يحذره عاقبة تلك المعاملة المخالفة لما كان عليه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في معاملته للأسرى ولعظماء الناس.
لقد صدق ظن أبي المهاجر فإن كسيلة لما رأى قلة جماعة عقبة لرجوع الجيوش قبله إلى القيروان أرسل إلى قومه يعلمهم بذلك فجرأهم ذلك على ملاقاته والنزول إلى قتاله بعد ما كان الخوف والرعب قد ألجأهم إلى شعاب الجبال، فكانت تلك الوقعة.
علم عقبة أنه مستشهد لا محالة فسرح أبا المهاجر من معتقله وأمره باللحوق بالقيروان ليتولى أمر الناس لعلمه بسهولة الوصول عليه لحسن علاقته مع كسيلة وحسن سمعته عند قومه ويغتنم عقبة الشهادة فنسي أبو المهاجر كل ما كان فيه وكل ما لحقه من عقبة وقال له: "وأنا أغتنمها أيضا" ونزل المعترك كأصحابه واختاروا الموت الشريف على الأسر والهوان (?) فاستشهدوا عن آخرهم وكانوا زهاء ثلائمائة من الصحابة والتابعين رضي الله.
عندما تكمل في القادة أخلاق الرجولة ويتحدون في الإيمان