بالمصلحة المشتركة العليا، وفي السعي لغاية واحدة - لا يحول بينهم وبين القيام بجلائل أعمالهم والبلوغ إلى غاياتهم، ما تقل السلامة منه بين البشر من الحزازات الشخصية وإن نالهم من ذلك ما لا بد منه من أثره السيء في طريق سعيهم وسرعة وصولهم.
فسوء معاملة أبي المهاجر لعقبة كانت نتيجة معاملة عقبة له التي تجاوزتها في الإهانة، حتى ارتكب عقبة ذلك المركب القبيح الوخيم العاقبة في معاملة كسيلة، لكن القائدين العظيمين كانا يؤمنان إيمانا واحدا بالمصلحة المشتركة العليا، ويعملان لغاية واحدة هي إعلاء كلمة الإسلام واغتنام الشهادة في سبيله، فلم يأل أبو المهاجر في نصح عقبة وهو تحت قيود الاعتقال ولم يتوقف عقبة في سراح أبي المهاجر ليتولى الإمارة بالقيروان ولكن الغاية الكبرى عند أبي المهاجر- كما هي عند مثله- هي الموت في سبيل الله والفوز بالشهادة فقال: "وأنا أغتنمها أيضاً" وما كانت تلك الوقعة التي خسر بها الجيش الإسلامي أولئك الأبطال إلا أثراً لازماً لتلك الحزازات الشخصية والنقائص البشرية. ولكل شيء أثره في هذه الحياة.
ضرب أبو المهاجر القائد العظيم أسمى مثل في نسيان النفس، والزهد التام في الحياة الدنيا ورئاستها، والرغبة الصادقة في نيل الشهادة، كما ضرب أسمى مثل في الشجاعة والإقدام والتضامن التام مع الأصحاب في وقت الشدَّة، وطرح كل أمر شخصي إزاء الصالح المشترك العام. فرحمه الله وجازاه الله وجازى من معه عن الإسلام وعنا خير الجزاء (?).