بالحاكم الإمام أبي عبد الله مع تقدمه في السنن والحفظ والإتقان أن يقوم للأستاذ عند دخوله إليه ويخاطبه بالأستاذ الأوحد، وينشر علمه وفضله ويعيد كلامه في وعظه متعجبا من حسنه معتدا بكونه من أصحابه.
وقال: قال السكري: ورأيت كتاب الأستاذ الإمام أبي إسحاق الإسفراييني الذي كتبه بخطه وخاطبه بالأستاذ الجليل سيف السنة وفي كتاب آخر: غيظ أهل الزيغ (?).
وقال -يعني عبد الغافر-: ولقد عاش عيشا حميدا بعد ما قتل أبوه شهيدا إلى آخر عمره، فكان من قضاء الله تعالى أنه كان يعقد المجلس فيما حكاه الأثبات والثقات يوم الجمعة في خان الحسين على العادة المألوفة منذ نيف وستين سنة، وكان يعظ الناس ويبالغ فيه إذ دُفِعَ إليه كتاب ورد من بخارا مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها واستدعى فيه اعتناء المسلمين بالدعاء على رءوس الملأ في كشف ذلك البلاء عنهم، ووصف فيه أن واحدا تقدم إلى خباز يشتري الخبز فدفع الدراهم إلى صاحب الحانوت فكان يزنها والخباز يخبز والمشتري واقف فمات الثلاثة في الحال، واشتد الأمر على عامة الناس، فلما قرأ الكتاب هاله ذلك واستقرأ من القارئ: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ الله بِهِمُ الْأَرْضَ} (?) ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير وأثر فيه ذلك وتغير في الحال، وغلبه وجع البطن من ساعته وأنزل من المنبر وكان يصيح من الوجع، وحمل إلى الحمام إلى قريب من غروب الشمس، فكان يتقلب ظهرا لبطن ويصيح ويئن فلم يسكن ما به فحمل إلى بيته وبقي فيه سبعة أيام لم ينفعه علاج، فلما كان يوم الخميس سابع مرضه ظهرت آثار سكرة الموت فودع أولاده وأوصاهم بالخير ونهاهم عن لطم الخدود وشق الجيوب