فيه فوافقته فزادوا عقبا وخنقا وجاءوا بصاحب الشرطة وأمر بزيت ونصب قدرًا فأغلي الزيت فيه وجاءوا بمن يقطع يدي ونفسي ساكنة وجعل الأمير يهذي ويصول على فرأيته وعرفته وكان مملوكًا لأبي فكلمني بالعربية وكلمته بالفارسية فنظر إليّ فضحكت، فعرفني من ضحكي وجعل يلطم رأسه ووجهه وإذا بصيحة عظيمة وقعت بأخذ اللصوص والقبض عليهم فأعذر الأمير إلي وجهد بي كل الجهد أن أقبل شيئًا أو أقيم عنده فأبيت وهربت ليومي وحدثت بعض المشايخ بذلك فقال: هذه عقوبة انفرادك فما دخلت بعدها بلدًا فيها قصرًا إلا قصدتهم وكنت معهم.
رقثم الزاهد قال: رأيت راهبًا على باب بيت المقدس كالواله لا يرقأ له دمع فهالني أمره وقلت أيها الراهب أوصني بوصية أحفظها عنك، قال: كن كرجل احتوشته السباع والهوام فهو خائف مذعور يخاف أن يسهو فتفترسه أو يلو فتنهشه فليله ليل مخافة إذا أمن فيه المفترون، ونهاره نهار حزن إذا فرح فيه البطالون ثم ولى وتركنى فقلت لو زدتني شيئًا عسى اللَّه أن ينفع به فقال يا هذا! الظمآن يكفيه من الماء أيسره.
وأبو الحسن على بن محمد الجلال البغداي قال أخبرني: أحمد بن يحيى البزار البغدادي أنه قدم من مكة إلى بيت المقدس فندم على مجيئه، قال: تركت الصلاة بمكة بمائة ألف، وهنا بخمس وعشرين ألف صلاة، وبمكة ينزل عشرون ومائة رحمة للطائفين والمصلين والناظرين وأراد الخروج إلى مكة فرأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذكر له ما خطر له من الفضل، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم هناك الرحمة تنزل نزولًا وهنا تصب الرحمة صبًا ولو لم يكن لهذا الموضع محل عظيم -وأشار بيده إلى موضع الإسراء عند قبة المعراج- لما أسرى إليه بي". فأقام الرجل بالقدس إلى أن مات قال المشرف: وكانت هذه الرؤيا في رجب سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة.
والإمام الحافظ أبو الفضل على بن أحمد بن محمد بن طاهر المقدسي الجوال في الآفاق الجامع بين الذكاء