أَن تدوم الْمَوَدَّة بَيْنكُمَا1، وَقَالَ الْعَلامَة المباركفوري أخرجه أَحْمد، وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة والدارمي وَابْن حبَان فِي الصَّحِيح2، قلت أخرج البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْجَامِع نَحْو هَذَا الحَدِيث فقد عقد بَابا إِذْ قَالَ: بَاب النّظر إِلَى الْمَرْأَة قبل التَّزَوُّج، وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح: قَالَ الْجُمْهُور لَا بَأْس أَن ينظر الْخَاطِب إِلَى المخطوبة، قَالُوا وَلَا ينظر إِلَى غير وَجههَا وكفيها3.
قلت: وَأما الْمَفْهُوم الْمُخَالف لهَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ لَا يجوز لغير الْخَطِيب أَن ينظر إِلَيْهَا، وَلَا يتَحَقَّق ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَت الْمَرْأَة محجبة وَأما فِي حَالَة كشف الْوَجْه، وَالْكَفَّيْنِ فَلَا معنى لهَذَا الحَدِيث بِالْمَفْهُومِ فَهَذَا أَيْضا دَلِيل على عدم جَوَاز كشف الْوَجْه، وَالْكَفَّيْنِ وَبِهَذَا الْمَعْنى أخرج الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند، وَابْن ماجة فِي السّنَن، وَابْن حبَان فِي الصَّحِيح، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَصَححهُ، وَسكت عَنهُ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي التَّلْخِيص، قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: "إِذا ألْقى الله عز وَجل فِي قلب امْرِئ خطْبَة امْرَأَة فَلَا بَأْس أَن ينظر إِلَيْهَا".
قلت: فَهَذَا الْإِذْن بِهَذَا السِّيَاق يدل على تَحْرِيم النّظر إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ لغير الْخَاطِب فَإِذا كَانَ الْوَجْه والكفان ليستا من الْعَوْرَة كَمَا قَالَ بعض أهل الْعلم كَابْن جرير الطَّبَرِيّ، وَغَيره رَحِمهم الله تَعَالَى فَلَا يتَحَقَّق مَفْهُوم الْأَمر، أَو لَا معنى لمَفْهُوم أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا وَاضح ظَاهر لمن أعْطى الْفَهم الثاقب، وَالنَّظَر الصَّحِيح، وَهُنَاكَ آراء فقهية كَثِيرَة، تجيز كشف الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ، وَلَا حَاجَة بنقلها، قَالَهَا أَصْحَابهَا اجْتِهَادًا مِنْهُم واستنباطا من بعض الْأَحَادِيث غفر الله تَعَالَى لَهُم، وَأكْرم مثواهم، وَجعل الْجنَّة مأواهم وهم مَعَ علمهمْ وفضلهم قد أخطأوا فِي الْإِصَابَة، فَلهم أجر الِاجْتِهَاد، وخطؤهم مَعْفُو عَنْهُم عِنْد رَبهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَمَا صَحَّ بذلك حَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا اجْتهد الْحَاكِم الحَدِيث.
وَأما الحَدِيث الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح فِي خَمْسَة عشر موضعا وَكَذَا مُسلم فِي الْعِيدَيْنِ، وَأَبُو دَاوُد، والدارمي فِي سنَنَيْهِمَا، وَالْإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: "شهِدت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم الْعِيد فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة، ثمَّ ذكر الحَدِيث وَفِيه، ثمَّ مضى إِلَى النِّسَاء،