وَاسْتَحْسنهُ شَيخنَا، قلت: لَا يعارضون فِي تَصْحِيح إِسْنَاد حَدِيث نَبهَان، وَإِنَّمَا ادعوا فِيهِ دَعْوَى الخصوصية لأمهات الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُن وَهَذِه الدَّعْوَى قد تكون مُعَارضَة، لِأَنَّهَا -كَمَا قلت - تَخْلُو من وجود أَلْفَاظ فِيهَا معنى الخصوصية، قَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم ردا على هَذِه الدَّعْوَى1، وَقد احْتج بعض النَّاس بِهَذَا على جَوَاز نظر الْمَرْأَة إِلَى الْأَجْنَبِيّ بِخِلَاف نظره إِلَيْهَا، وَهَذَا قَول ضَعِيف، بل الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعلمَاء، وَأكْثر الصَّحَابَة أَنه يحرم على الْمَرْأَة النّظر إِلَى الْأَجْنَبِيّ كَمَا يحرم عَلَيْهِ النّظر إِلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} ، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِن} وَلِأَن الْفِتْنَة مُشْتَركَة، وكما يخَاف الافتتان بِهِ، وَيدل عَلَيْهِ من السّنة حَدِيث نَبهَان مولى أم سَلمَة ثمَّ ذكر الحَدِيث بِطُولِهِ وَصَححهُ، ثمَّ قَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ، وَأما حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس مَعَ ابْن أم مَكْتُوم فَلَيْسَ فِيهِ أذن لَهَا فِي النّظر إِلَيْهِ بل فِيهِ أَنَّهَا تأمن عِنْده من نظر غَيرهَا، وَهِي مأمورة بغض بصرها فيمكنها الِاحْتِرَاز من النّظر إِلَيْهِ بِلَا مشقة بِخِلَاف مكثها فِي بَيت أم شريك. انْتهى كَلَام النَّوَوِيّ ثمَّ نقل هَذَا الْكَلَام الْعَلامَة الْمُحدث المباركفوري فِي تحفة الأحوذي2 النُّسْخَة الْهِنْدِيَّة وأيده وَتكلم على الحَدِيث الشَّوْكَانِيّ فِي النّيل3 أَعنِي حَدِيث نَبهَان إِذْ قَالَ: بَاب نظر الْمَرْأَة إِلَى الرجل ثمَّ قَالَ: لِأَن النِّسَاء أحد نَوْعي الْآدَمِيّين فَحرم عَلَيْهِنَّ النّظر إِلَى النَّوْع الآخر قِيَاسا على الرِّجَال، ويحققه أَن الْمَعْنى الْمحرم للنَّظَر هُوَ خوف الْفِتْنَة وَهَذَا فِي الْمَرْأَة أبلغ، فَإِنَّهَا أَشد شَهْوَة، وَأَقل عقلا فَتسَارع إِلَيْهَا الْفِتْنَة أَكثر من الرجل، قلت: الشَّرِيعَة عَامَّة شَامِلَة لجَمِيع الْأمة دون تَخْصِيص بِأحد النَّاس، أَو قَبيلَة من الْقَبَائِل.

وَقَالَ الإِمَام التِّرْمِذِيّ فِي الْجَامِع: بَاب مَا جَاءَ فِي النّظر إِلَى المخطوبة، ثمَّ قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، نَا ابْن أبي زَائِدَة، ثني عَاصِم بن سُلَيْمَان، عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة، أَنه خطب امْرَأَة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "انْظُر إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا"، وَفِي الْبَاب عَن مُحَمَّد بن مسلمة، وَجَابِر، وَأنس وَأبي حميد، وَأبي هُرَيْرَة، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن وَقد ذهب بعض أهل الْعلم إِلَى هَذَا الحَدِيث، وَقَالُوا: لَا بَأْس أَن ينظر إِلَيْهَا، مَا لم ير مِنْهَا محرما، وَهُوَ قَول أَحْمد، وَإِسْحَاق، وَمعنى: "أَحْرَى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا"، قَالَ أَحْرَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015