وَمَعَهُ بِلَال فأمرهن بتقوى الله تَعَالَى، ووعظهن وَحمد الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، وحثهن على طَاعَته، ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "تصدقن، فَإِن أكثركن حطب جَهَنَّم "، فَقَالَت امْرَأَة من سفلَة النِّسَاء سفعاء الْخَدين: "لم يَا رَسُول الله؟ " قَالَ: "لأنكن ... " ثمَّ ذكر بَقِيَّة الحَدِيث.
قَالَ بعض أهل الْعلم: لَو كَانَ الْوَجْه من الْعَوْرَة فَكيف اطلع بِلَال رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على وَجههَا ثمَّ وصف وَجههَا فِي هَذَا الحَدِيث وَكَانَت زِيَادَة ((سفلَة النِّسَاء وسفعاء الْخَدين)) لم يُخرجهَا البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح فِي خمس عشرَة موضعا إِلَّا أَن مُسلما وَأَبا دَاوُد، والدارمي وَالْإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده قد أخرجوها وإسنادها صَحِيح.
قلت: جَوَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَمَا قَالَ الإِمَام ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة1: السفعة نوع من السوَاد وَلَيْسَ بالكثير، وَقيل: هُوَ سَواد مَعَ لون آخر أَرَادَ أَنَّهَا بذلت نَفسهَا، وَتركت الزِّينَة، والترفه، حَتَّى شحب لَوْنهَا، وأسود إِقَامَة على وَلَدهَا بعد وَفَاة زَوجهَا، قلت: قد تكون من الْقَوَاعِد اللائي قَالَ الله تَعَالَى فِي حقهن فِي مُحكم كِتَابه: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 2، أَو كَانَت هَذِه الْقَضِيَّة قبل نزُول الْحجاب، أَو كَانَت هَذِه الامرأة أمة كَمَا جَاءَ فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد ((أَنَّهَا كَانَت من سفلَة النِّسَاء)) .
وَلَيْسَ فِي الحَدِيث دَلِيل على جَوَاز كشف الْوَجْه للمسلمة الْحرَّة العفيفة، وَلَا شبه دَلِيل، وَأما شُبْهَة بعض النَّاس من أهل الْعلم أَن الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ لَو كَانَتَا من الْعَوْرَة للَزِمَ سترهما، وغطاءهما فِي حَالَة الصَّلَاة وَالْأَمر لَيْسَ كَذَلِك، قلت: لقد سبق أَن ذكرت حَدِيثا أخرجه البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح، وَالنَّسَائِيّ فِي السّنَن وَالْإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: "وَلَا تتنقب الْمَرْأَة، وَلَا تلبس القفازين" الحَدِيث، قلت: هَذَا فِي الْحَج وَقد ثَبت عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا خلاف هَذَا الحكم فِي الْحَج كَمَا أخرج الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند، وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكُبْرَى، وَأَبُو دَاوُد فِي السّنَن بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: كَانَ الركْبَان يَمرونَ بِنَا، وَنحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحرمَات، فَإِذا حاذوا بِنَا أسدلت إحدانا جلبابها من رَأسهَا على وَجههَا، فَإِذا جاوزناه كشفناه، وَكَذَا حَدِيث أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق