-ليخلق حواء من ضلعه- كما ورد في التوراة: (هذه عظم عظمى ولحم لحمى) إذ قوله هذه حكاية حادثة شاهدها وواقعة حال حققها، ثم ترقى التاريخ بهذا المعنى شيئا فشيئا كسائر العلوم البشرية حتى دون ذلك، وكل شيء يبدو صغيرا ثم ينمو كما هو مشاهد، "سنة الله التي قد خلت في عباده ولن تجد لسنة الله تبديلا".
والتاريخ أيضا بمعنى التوقيت أى تعيين الوقت، كذلك قديم الوضع، فقد روى ابن عساكر في تاريخه بإسناده إلى الزهرى والشعبى، قالا: لما أهبط آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة وانتشر بنوه في الأرض، أرخوا من هبوطه إلى أن بعث الله سيدنا نوحا عليه السلام، فأرخوا من مبعثه إلى وقعة الطوفان، فأرخوا حتى جاءت حادثة نار سيدنا إبراهيم عليه السلام فأرخوا بها.
ثم اجتمع رأى كل أمة من الأمم على شيء، فأرخ الروم واليونان بميلاد إسكندر الرومى، وأرخ المسيحيون بظهور سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وأرخ بنو إسحاق من مبعث نبى إلى مبعث نبى آخر، وأرخ بنو إسماعيل -من بنيان البيت- حين بناه إبراهيم وإسماعيل- حتى تفرقوا، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بخروجهم ومن بقى بتهامة منهم أرخ بخروج سعد ونهد وجهينة بنى زيد من تهامة حتى مات كعب بن لؤى فأرخوا من موته، ولا زالوا يؤرخون بما كان من الحوادث حتى أتى عام الفيل فجعلوه تاريخا إلى أن حصلت الهجرة فأرخوا بها وبقيت مبدءا للتاريخ الإسلامى إلى الآن (?).
ويعتبر التاريخ بالليالي، لأن الليل عند العرب سابق على النهار، لأنهم كانوا أميين لا يحسنون الكتابة ولم يعرفوا حساب غيرهم من الأمم، فتمسكوا بظهور الهلال، وإنما يظهر بالليل فجعلوه مبدءًا للتاريخ.