وأما ثمرته فالانتفاع بتذكر الحوادث التي حصلت في الكون خيرا أو شرا، والتبصر في الأمور والاسترشاد بما فات في كل ما هو آت للتخلى عن الصفات الذميمة والتحلى بالآداب والأخلاق الحميدة، إذ قصص من قبلنا عبرة لأولى الألباب في أحوال الدين والدنيا وما يعقلها إلا العالمون.
فإذا اطلع العاقل على سير المتقدمين من الأمم الراقية وأخلاقهم وسياستهم تاسى بهم وقاس نفسه عليهم، فانتصح بأحوالهم في دينهم ودنياهم، واكتشف عن عورات الكاذبين فيجتنب سوء أعمالهم ووخيم منقلبهم، ووقف على أحوال الصادقين فيقتدي بهم ويحرز لنفسه من معلومات العالمين وتصانيفهم واكتشافاتهم ما يشحذ ذهنه ويزيد في قوة إدراكه بأقرب الطرق وأيسرها مما لم يحصل عليه من سبقه إلا بعد العناء والكد.
وأما فضيلته فهو من أعظم العلوم وأعزها وأشرفها وأنفعها وأجملها وأكملها فهو أكبر مرب للأذهان ومرق لحالة الإنسان والعمران، وهو في الحقيقة برنامج ما مضى وتذكرة ما عناه الأولون من أحوال وتقلبات، وتبصرة لأولى الألباب في المستقبل، وعمر جديد للمطالعين يغنم ولا يهمل وفى فضله قيل:
ألا إن في التاريخ علما وحكمة ... وفيه اعتبار بالقرون الأوائل
إذا لم تكن بالجسم شاهدت من مضى ... فبالفضل قد شاهدتهم والشمائل
لذاك اعتنى بالكتب فيه أئمة ... جهابذة أولو التقى والفضائل
وهم كل قاض أو فقيه مدرس ... وذو أدب لم يدره باسم جاهل
وقال لسان الدين ابن الخطيب في صدر أرجوزته رقم الحلل في نظم الدول:
وبعد فالتاريخ والأخبار ... فيه لنفس العاقل اعتبار
وفيه للمستبصر استبصار ... كيف أتى القوم وكيف صاروا