مثلا، وقد يكون في أعمار الأعيان ووفياتهم، وقد يكون في اختطاط البلدان والمساجد والربط وغير ذلك.
وأما أصل موضوعه فأعمال البشر في كل زمان ومكان، والفحص عن سير المتقدمين من الملوك والعلماء والصلحاء والوقائع الحربية وغيرها، وحالة المدنية والعمران، وقوة الدول وفشلها، وأسباب تقدمها وتأخرها واضمحلالها.
وأما واضع الأثرى منه فهو الله تبارك وتعالى، أنزله على رسله الكرام في كتبه الناطقة بالحق وأعظمها القرآن، فقد تكررت فيه أقاصيص المتقدمين وأحوال الماضين وخصوصا مع الأنبياء والمرسلين، حتى قال مولانا تبارك وتعالى فيه خطابا لنبينا - صلى الله عليه وسلم -: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ... (120)} [سورة هود آية 120]، وقال: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ... (5)} [سورة القمر آية 4، 5]. وفى هاتين الآيتين الكريمتين تنبيه على ما يقصده العاقل من الاطلاع على أحوال الماضين والوقوف على سير الغابرين من الاعتبار والاتعاظ والاستبصار، ولذلك نرى القرآن يتفنن في إيراد القصة الواحدة وإعادتها بأساليب. من طرق البلاغة ويبرزها في صور شتى على قدر ما فيها من وجوه العبر وضروب النظر، حتى احتوى من ذلك على جم مما كان لا يعرف الوجه الواحد من علوم أقاصيصه إلا أفراد الرهبان، ورؤساء الأحبار، ولذلك وصف نبينا - صلى الله عليه وسلم - كتاب ربنا هذا بقوله: "فيه نبأكم وخبر ما كان قبلكم".
وكذلك أوحى الله تعالى من هذا الفن التاريخى إلى أنبيائه -في غير ما أنزله عليهم من الكتب أيضا- ما لا يستطاع استقصاؤه، وقد حدث نبينا - صلى الله عليه وسلم - من ذلك بما ملأ الدفاتر، وعلى ذلك جرى سلفنا الصالح، فلم يزل الصحابة رضوان الله عنهم يتفاوضون في حديث من مضى، ويتذاكرون في أخبار من تقدمهم من الأمم، واقتدى بهم في ذلك سادات التابعين وأتباعهم بإحسان إلى يومنا هذا.
وأما واضع البشرى فهو الإنسان وهو قديم الوضع من عهد نبى الله آدم عليه الصلاة والسلام، ومأخذ ذلك هو قوله عندما تيقظ من نومته التي ألقاها الله عليه