كل متسغ من أرقة فاس، ولم يبق للأحكام السلطانية نفوذ فيها بل في سائر المغرب، وليس للسلطان سوى الدعاء على المنابر والاسم، وكمل العام كله على هذه الحالة -يعني عام تسعة وثلاثين- وكثر في المغرب الفتن والأهوال فكان هذا هو الأصل في الفتن التي ظهرت بعده. اهـ. من النسخة الصحيحة من نشر المثاني (?) قاله في الدر المنتخب.
ومن جملة من ثار، وسعي في الأرض الفساد من الثوار: أحمد بن على الريفي واللصوص وقطاع الطريق ونهض بتلك الجيوش يريد دخول تطاوين ومبايعة أهلها له -وقائدهم إذ ذاك عمر الوقاش آتي الترجمة في حرف العين بحول الله وقوته- فقابلوه بأفواه القنابل ووقع بينهما قتال عظيم مات فيه كثير من الفريقين، قيل إنه دخلها وهمّ بأهلها فانتصروا عليه وصدوه.
والذي صححه في "الدر المنتخب" أنه لم يدخلها، وأن الكرة كانت عليه من أول الأمر، ودعا الوقاش لنفسه وكثر الهرج والمرج واشتعلت نيران الفتن، وكتب أهل تطاوين للسلطان المترجم وقصوا عليه القصص وشرحوا له ما هم فيه من الضيق والحرج وطلبوا نصرته وتعزيزهم بجيش ينكس أعلام البغاة المتمردين ويكسر شوكتهم كي ترجع المياه إلى مجاريها ويستتب الأمن في تلك الناحية.
ولما وصلته رسلهم بالكتاب وعلم فحواه، وأحاط علما بسره ونجواه عرضه على المسيطرين عليه من أعيان العبيد وهو إذ ذاك مضروب بأعلى يده من جانبهم فأجابوه بأن هذا الأمر لا يهم ولا يرفع إليه رأس، لأن عادة أهل الريف مع جيرانهم العداوة والقتال دائما، ولو علمنا أن الريفي ادعي هذا الدعوى لبادرنا إلى قتاله وأبدناه بجيوشه وصيرنا جميعهم في خبر كان، فاستصوب رأيهم قائلا هذا رأيي، ولم يدر أنهم إنما تنصلوا خوفا على أنفسهم وركونا للراحة لعلمهم أن الجيش الذي يبعثه السلطان لا يكون إلا منهم، فاختاروا الراحة وأعرضوا عن مصالح الإسلام والمسلمين، وبقيت رسل أهل تطوان منبوذة بالعراء لم يبال بها