وارتحل، والأمير عبد القادر إذ ذاك حال بتخوم الإيالة السلطانية على مقربة من فاس، وفرنسا تعلن استرعاءها على أمير البلاد مشددة في مطاردة الأمير أو الإيذان بالحرب.

وتحقق السلطان العجز، وأن لات حين مناص، وليس بعد العيان بيان طلب أولا من الأمير الجنوح إلى الصلح حسبما في تحفة الزائر، وأبدى له نصائح وإرشادات وتكفل له بكل ما يضمن راحته وراحة أتباعه، فأبى الأمير ذلك كل الإباية، كما في تحفة الزائر.

ثم طلب منه بعد ذلك مبارحة إيالته التي أصبحت في خطر عظيم، تهددها القوة الأجنبية برا وبحرا وفى هذه الظروف الحرجة صدر من المهاجرين من بنى عامر -الذين كانوا ارتحلوا لبلاد السلطنة المغربية مغاضبين فأواهم السلطان وأكرم وفادتهم ونزلهم وأقطعهم أرضا للحراثة ذات أهمية كبرى وبسائط خصبة- ما صدر من مقابلتهم الإحسان بالإساءة، ووقع الهرج والمرج بسبب ذلك داخل الإيالة وفى أطرافها والقلوب مندملة، وفتنة الودايا ومن شاكلهم حديثة عهد، واتسع للمرجفين ومن في قلبه مرض المجال.

فلم يبق والحالة ما ذكر لأمير البلاد بد من القيام على ساق في إعمال اللازم في إطفاء ما تأجج من نيران الفتن، ودفع الضرر المحقق لحوقه لقطره المغربى، ورعيته المسئول عنها قبل أن يحيق بهما ما حاق بجيرانها أهل تلمسان وغيرهم، وقد تحقق من نفسه ومن إيالته عدم القوة في ذلك الوقت على التسرع للحرب، وأن الإقدام على ذلك والحالة ما ذكر غير جائز سياسة وعقلا وشرعا.

قال ابن يونس في ديوانه الذى قيل فيه إنه مصحف المذهب .. التسرع في غير قوة يورث النكث، أخّر الحرب ما استطعت، فإن النفقة فيها من النفوس هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015