وبعد مناوشات خفيفة ختم الأمير أعماله بالتسليم للفرنسيين على شروط، ورجعت أتباعه لأوطانها، وحمل إلى فرنسا بمن معه من العيال والأتباع في بابور وأنزل بـ (طولون) وذلك في صفر عام 1264 أربع وستين، وقيل في متم عام 1263 ثلاثة وستين ومائتين وألف، وبقى لديها في عقال ستة أعوام.
ثم سرحه نابليون الثالث وعين له مرتبا سنويا يدفع إليه من خزينة الدولة، وأباح له الذهاب حيث شاء، فاختار أخيراً سكنى دمشق بأهله، وبها كانت منيته في الساعة السابعة من ليلة يوم السبت التاسع عشر من رجب سنة ثلاثمائة وألف 1300 والرابع والعشرين من إيار سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة 883 كما بتحفة الزائر، ودفن بجنب الشيخ محيى الدين بن عربى الحاتمى.
وكان هذا الأمير رحمه الله عالماً عاملا كاملا، راسخ القدم في الحقائق والرقائق، وكتابه المواقف اكبر دليل على تضلعه وسعة اطلاعه، ودقة مداركه.
أما الشجاعة والإقدام فهو ابن بجدتهما، وقد عرفت له فرنسا ذلك، وقدرته قدره، وما زالت الأعاظم تنزل الأعاظم منزلتها، وقد بسط صاحبا الجيش والاستقصا وغيرهما نبا وقائع الأمير الحاج عبد القادر وصاحب الترجمة في حالتى المسلم والحرب، ووقعت الإشارة لبعض ذلك في تحفة الزائر تركنا جلبها اختصارا.
وقد عثرت للأمير على رسالة بعثها وهو بفرنسا إلى صاحبه البوحميدى يصف فيها حالته في الاعتقال ومقامه بتلك الديار، ويدعو فيها للسلطان المترجم بالتوفيق والإعانة ويعذره عما صدر منه في حقه، ويستغفر الله مما كان ونصها:
"من عبد القادر بن محيى الدين، كان الله له ولإخوته آمين، إلى أخى سيدى محمد بن أحمد البوحميدى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإنا نسأل عن أحوالك ونرجو أن تكون في نعمة مثلنا، فإننا في نعم لا نحصوها، وخيرات لا نستقصوها، وحصل لنا من صفاء الوقت والبسط