من الأخبية والأثقال والحريم والمتاع وتبرءوا واعتذروا عن الأمير واستعطفوا المترجم، وأدوا السفارة كما ينبغى، فقوبلوا بكل تجلة وإكرام، وتحقق السلطان براءة ساحة الأمير من أقوال المرجفين، وأحسن إلى بقية الجشم وبنى عامر وجمعهم وحملهم لمراكش، وأنزلهم بأخصب بلاد بالويدان من قبيلة الرحامنة من عرب حشم البلاليين إخوانهم، وانقلب الوفد إلى الأمير مغمورا بجود المترجم وكرمه.
ثم بعد هذا قضت الظروف على صاحب الترجمة بإبعاد الأمير عن حدود بلاده، ولم يكن له بد من ذلك بعد أن كانت بينهما محبة صادقة، ووصلة كاملة وإخاء، كم أمده المترجم بآلات الحرب، وأعانه بالأموال والملابس والصافنات الجياد حسبما بتحفة الزائر والحلل البهية وغيرهما.
ولكن لما كان للأحوال مقتضيات وللضرورة أحكام لم يسعه إلا تنفيذ ما وقع عليه الاتفاق إثر قضية أسلى، وارتكاب أخف الضررين، فجهز المترجم جيشا كثيفا بقيادة ولديه: المولى محمد، والمولى أحمد لإزعاج الأمير للخروج من إيالته أو الجنوح للصلح، وأمر جميع قبائل الناحية بمعاضدة الجيش ضد الأمير عبد القادر إنْ أبَى مما ذكر، ونزلت الجيوش السلطانية بتازا وأقامت بها أياما، وكانت تزيد على عشرة آلاف مقاتل.
ولما علم الأمير عبد القادر بذلك بعث خليفته البوحميدى للحضرة السلطانية يطلب الصفح والعفو عفا مضى، فلحق بالمترجم لفاسق فأكرم وفادته، واقتبله بجنان أبى الجنود الذى صار اليوم جنانا عموميا، ولما مثل بين يديه وبلغه ما أتى لأجله أجابه المترجم بقوله: إن أحب الحديث إلى الله أصدقه، وإنى لا أقبل منكم إلا أحد أمرين: الدخول لداخل الإيالة والنزول لدينا نزول عز وإكرام، أو الخروج من الإيالة وحدودها، ولا يمكن قبول غير هذا بحال، فطلب البوحميدى الإمهال