لما وصلوا لخيامهم قالوا: لا ننتقل من مكاننا هذا حتى نموت عن آخرنا، وضرب واحد منهم أحد الفرسان الذين وجهوا، ولما رأوا انكباب الناس عليهم انحازوا للغابة وقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم، ولم ينج من القتل إلا النزر القليل، فقيدوا وصفدوا وحشدوا مع النساء والصبيان لفاس، ثم أمروا بالنزول بضفة نهر سبو.
ولما اتصل خبر الواقعة بالأمير رجع لسلوان، وأُشيع عنه التظاهر بالعداوة للمترجم والتأهب لمحاربته داخل إيالته والاستبداد عليه، فوجه المترجم إليه جيشا بقيادة شيخ بنى مالك ابن رباح القائد محمد بن سالم الأحمر المالكى، وكان من كبار الأبطال ووجوه الأعيان من العمال للنظر في شأن الأمير ومطاردته أو القبض عليه، غير أن القائد الجسور لم يحسن التدبير، ولا حسب حسابا للمصير، فبوصوله لقصبة سلوان صمد جيشه الجرار للغارة على حلل المهاجرين أتباع الأمير، وكانوا منتشرين بكارت وقلوعها (قلعية) فتوقف الأمير عن مناجزته وكتب إليه يتبرأ مما نسب إليه من البهتان، وأقسم بصدق ولاية السلطان بكل أيمان، وبرهن على أنه مستظل بحمى أمير المؤمنين، مع بقية السيف من أبناء المسلمين، وأكثرهم شيوخ وأيامى، وعجزة ويتامى، فلم يصخ القائد المذكور لكلامه ولا التفت لاستعطافه، بل هجم على دائرة الأمير فوقفت بقية الأبطال دونها يدافعون عن الحريم والمال، عملا يقول من قال:
وإذالم يكن من الموت بد ... فعلى الحر أن يموت كريما
وبعد حرب شديدة سقط القائد الأحمر قتيلا بين الصفوف، وافترقت جيوشه، وقد تركوا بين يدى الأمير معسكرهم بما فيه من حريم وأثقال وأثاث وأموال، فجمع الأمير ما تركوه، وعين وفدا من الأشراف والعلماء وأعيان رجاله برياسة شيخ الجماعة أبى عبد الله محمد سقاط بن الشيخ المشرفى، وكان ملحوظا عند المترجم لكثرة تردده سفيرا لحضرته فيما مضى، وقدموا ما تركته محلة الأحمر