وتحيط بالدائرة بطريات المدافع الخفيفية من سائر جهاتها، وأمر القائد العام لامور جيشه بالهجوم والسير على هذا النظام، ولما تراءى الجمعان ركبت محلة المخزن وكان أكثرها خيالة وأضعاف المحلة الفرنسية وتسابقت إلى اللقاء، والجيش الفرنسى محافظ على النظام المذكور لا يتحرك من مركزه حتى أحاطت به جيوش المغرب إحاطة السوار بالمعصم، صارت تصب رصاصها فيه.
فعند ذلك أمر القائد الفرنسىي بإطلاق المدافع من سائر الجهات إطلاقا متواليا بلا إمهال دام العمل على ذلك ثلاث ساعات، والجيش الفرنسى لم يتزحزح عن موقفه، وما كانت الساعة العاشرة من اليوم المذكور حتى افترقت محلة المغرب ومات أكثرها، وتمزقت أوصال حماتها -الذين جعلوا صدورهم هدفا لمدافع مقابلهم- كل ممزق، وتطايرت أشلاؤهم في الهواء وباقيهم طارت بهم خيولهم فلم ينزلوا إلا وراء نهر ملوية، وبقى الخليفة في نحو عشرة من خاصة فرسان غلمانه، ثم سار إلى أن لحق بتازا، ثم سار إلى أن بلغ فاسا، وتقدم الجنرال (لامور يسير) بجيشه إلى مضارب المعسكر وقد كانت بقيت به فرقة من جيش العبيد والطبجية، فأبلوا بلاء حسنا، وقتلوا من المهاجرين عددا كبيرا إلى أن غلبوا عليهم، واستأصلوهم واستولى الجنرال المذكور على المعسكر بما فيه.
وعندما وصل خبر الواقعة للمترجم وهو بمراكش فخرج يطوى المراحل طيا كى يدرك رتق الفتق قبل اتساعه، ولما بلغ ثغر الرباط بلغه أن أسطولا فرنسيا يريد الهجوم على طنجة، فبعث ولده أبا الربيع سليمان في شرذمة من الخيل لحراسة طنجة، وفى ذلك الأثناء بلغه أن الأسطول رمى طنجة بخمسة آلاف كورة في نحو ست ساعات ودمر منها أماكن كثيرة، ثم ارتحل عنها وتركها خاوية، ومن لطف الله أن كان أهلها أخلوها قبل هجوم الأسطول عليها فنقلوا أموالهم وأولادهم للفحص.