وبعد: فتصلك كتب فيها أخبار المسلمين مع العدو الكافر، قصمه الله بناحية الشرق وغيره، وجهناها لك لتطلع على ما فيها وتعلم حقيقته، فإن الأعداء أهلكم الله حسبوا كل بيضاء شحمة، وقويت أطماعهم ومنتهم أنفسهم وهموا بما لم ينالوا، ولما استولوا على تلمسان ورأوا ما عليه أهل حوزها من التواكل والتخاذل والفشل والرعب منه والفرار أمامه، ظنوا أن هذه الناحية مثل تلك، وأرادوا تعدى الحدود ومد اليد إلى الإيالة، وأعملوا الوجهة لها بعد الوجهة الأولى التي لم يحضر هناك أحد من الجيش، فلما دنوا وجدوا المخازنية أمامهم في شرذمة فثبتوا وناوشهم خيل المتنصرة القتال فردوهم على أعقابهم، فخشى العدو على نفسه وفر ليلا.
ولما عاين من نجدتهم وثباتهم ما لا قبل له به وتخلف ظنه، كتب لطاغيته بذلك، وأرادوا إعمال التمويه والتلبيس ونصب المكائد بالتخيلات والأوهام، فظهرت بعض قراصينهم بنواحى طنجة والعرائش، فأمرنا جميع القبائل بإظهار القوة والاستظهار بالعدة والعدد ليرى من ذلك ما يسوءه ويبلغ الشاهد الغائب، ولا ينبغى إلا ذلك، فإنه دمره الله صاحب غدر ونكر وتلبيس، لا تؤمن غوائله، ولا تنقضى حيله ومكائده.
فلتكتب لعمال الثغور وعمال القبائل الموالية لها لإظهار القوة والاستظهار بالعدة وكثرة العدد، فإن ذلك مما يقوى سواد المسلمين، ويفت في أعضاد الكافرين فقد قال الله تعالى: {... لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفُّارَ ... (29)} [الفتح: 29] مثل أن تأمر خديمنا عبد الله أبه (?)، وسليمان بن الطاهر بحشد عديد قبائلهما، خيلا ورماة للصويرة، وعمارة ساحتها بلعب البارود وغيره، مما يغيظ العدو، ويقيمون يومين