ما نقموا من الأمور وأزالوا جلباب الحياء وتجودوا في أثواب الوقاحة وهو ساكت لا يجيب.
ولما كان الصباح احتال إلى أن ركب فرسه ورجع لدار الإمارة بفاس العليا، فاجتمعوا للمشورة فيما يفعلون به، فمن قائل نوجه به لبلده سجلماسة، ومن قائل نقتله لأنه لا يفلتنا إذا تمكن من نواصينا، ولا نأمن غوائله ما دام حيا، وتعددت اجتماعاتهم على ما ذكر أياما وهو يبعث العيون لترقب حركاتهم وسكناتهم حتَّى لا تغيب عنه من نتائج تلك الاجتماعات شاذة ولا فاذة، ويستعمل النظر في وجه يمكنه به الخلاص منهم، فأسَرَّ في يوم من الأيام لبعض خاصته أنَّه يريد التنقل لترويح النفس مع بعض حرمه لجنان أبي الجنود المكتنف بين فاس الجديد وفاس القديم، ومراده بذلك الاحتراس على نفسه والأخذ بالأحوط لها، فركب صبيحة بعض الأيام فرسه كأنه يريد استنشاق الهواء وتنسم النسيم على عادته من قبل، وغلقت الأبواب بينه وبينهم، وأمر بالعيال فلحقوا به للجنان المذكور، ولما علم بذلك بغاة الودايا تعاقدوا مع أهل فاس على الإعلان بخلع ربقة الطاعة، وانضم إليهم أهل الفساد من أولاد جامع.
ثم إن صاحب الترجمة لما حل بعياله بالجنان المذكور اطمأنت نفسه وأمن من تسور أولئك البغاة عليه، ووجه للجيش البخاري الَّذي بالعاصمة المكناسية يأمرهم بالقدوم عليه لفاس في ألفى فارس من أهل النجدة والبأس، يرأسهم أبو سلهام بن العريف البخاري، وبمجرد وصول الأمر العالى للجيش المكناسى لحق بالسلطان لفاس، فاعترضهم الودايا على مقربة من وادى النجا، وحميت الحرب بين الفريقين نحو ساعتين، وساروا إلى أن اقتحموا فاسا عنوة رغم أنف الودايا.
وبعد أيام عزم المترجم على التوجه لمكناسة ولكن رأى أنَّه لا يمكنه المسير على طريق سايس لتجول خيل شياطين الودايا به مع البربر حلفائهم، ثم عين