فرع الدوحة المحمدية التي عم خيرها الإسلام، وغصنها الناعم الَّذي في روض أمنه أنام الأنام، بل هو المستظل بظل حرم نسبه المتصل بسيدنا محمد النفس الزكية، وشجرته الثابتة في الروضة الفاطمية العلوية، أعز الله به هذه الأمة المحمدية، التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأسعد به هذه الأقطار المغربية كما أسعد بطالع سعده حاضرة فاس، وكان يسترعى على رعيته، حفظا لرعايته، ويأخذ في تسكين هذه الأوطان وتمهيدها، واستئناف العزائم وتجديدها، وإطفاء نار الفتن وإخمادها، وإعلاء أركان الإيالة ورفع عمادها، فكسر للبغاة الشوكة، ودفع بسياسته عن رعاياه الوثنية والشركة، وقد كان وعاظا لرعيته مشفقا عليها رءوفا بها، وإذا ظهر جور عامل وكررت به الشكوى لديه ولم يوافق على عزله في الحين، فإنما ذلك. من سوء الظن بالشاكى، لعموم الفساد على وجه الأرض في البر والبحر، وفى كل ذلك لم يخل فؤاده من نية عزله وكذلك عند جور وزير أو غيره هـ.
وقد كان رحمه الله صواما قوامًا، من أتقى ملوك الإسلام وأقومهم طريقة، ذا علم وورع، وديانة وعفاف، وكمال هدى وجد، ونجدة وشجاعة، وصدق لهجة، واقتصاد في الأمور وتدبر ونظر في العواقب، ومراقبة وخوف وخشية، وحلم وشفقة، وتأن وتوقف في الدماء، وصلابة في الدين، وقوفا مع الحق لا تأخذه في الله لومة لائم.
مقتصدا في مأكله ومشربه وملبسه يلبس المرقع والمخصوف، قدم له يوما صاحب طعامه جريدة صائره اليومى فوجد به زيادة غير معتادة، فسأله عنها؟ فقال: هي قيمة بعض الخضروات أول ظهورها، فقال له: لا تعد لمثلها، فإنى لا أحب أن أتناول إلَّا ما يقدر الضعيف على تناوله، ما لى وللخضرة الجديدة، حتى إذا كثرت آكلها كغيرى.