قال الفضيلى في الدرر البهية: أخبرنى من أعتمد حديثه من أقاربنا أنَّه تعذر ذات يوم على أهل مطبخته الوقود، ولما أمسى المساء بات جل أهله بدون عشاء، فلما بلغه ذلك كشف رأسه واعتراه سرور عظيم، ثم رفع يديه وقال: اللهم لك الحمد والثناء حيث سويت بين أهلى وبين ضعفاء المسلمين، وما لام من فعل ذلك ولا عاتبه ولا عنفه ولا أنبه، قال: وهذا دأبه في سائر الأحوال هـ.

وحسبك في هذا الباب أنموذجا ما كتب به لنجله المولى سليمان وإليك لفظه بعد افتتاحه:

"ولدنا الأبر مولاى سليمان، أصلحك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فاعلم أن التوسع في المأكل والمشارب بأن يكل المرء كل ما اشتهى من الخصال البهيمية، والأخلاق الحيوانية، مع أنكم اليوم في مقابلة جهاد ورباط، ولستم بِصَدَدِ رفاهية ونشاط، ففي الحديث من كانت همته في بطنه فقيمته ما يخرج منها، وفى الأثر عن سيدنا عمر رضي الله عنه: كفى بالمرء إثما أن يأكل جميع ما اشتهى ونحن من العرب، وشأن العرب أخذ البلغة والاكتفاء بما وجد ولقد قائلهم:

وإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نلت غاية الذم أجمعا

كما كان أسلافنا في حركاتهم لتمهيد القبائل بناحية الترك يقتصرون عند الحاجة على جمع فضلات علف الخيل، ويقلونه ويدقونه ويقتاتون به، وما أدركوا الَّذي أدركوه بالرفاهية والسعة، وإنما أدركوه بالصبر وتحمل المشاق من جوع وغيره، فالزم القناعة والإمساك عما فيه غضاضة وشره، وإياك أن تكلف الأمين هنالك أو غيره بشيء خارج عن الضرورى، وتجعل تقول: ايتنى بهذا الشيء، فإنى إن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015