وفى عام ثمانية وستين انكسرت سفينة حملة للحجاج في منقلبها من الديار الحجازية، فيها من المغاربة سكان فاس وغيرها أربعمائة نسمة من جملتهم القائد أحمد الولتيتى الرباطى، وشريفان من أعيان العراقيين سكان فاس، ولم ينج من ركابها غير قليل، وكان ورود هذا الخبر المؤلم لفاس في شعبان.

وفى العام نفسه توفى زعيم آيت يدراسن، وركنهم المشيد محمد وعزيز، وأضرمت نيران الفتن بين قبيله وبين جروان، وكانت الكرة على جروان، حتى إنه لم يسعهم إلا الالتجاء إلى المترجم وهو يومئذ ملازم قعر بيته بدار الدبيبغ، ولما ضاق بهم المتسع وعدموا المرعى أخذوا في بيع ماشيتهم بأبخس الأثمان، ثم إن المترجم لما رأى ما حل بهم رق لهم وآخى بينهم وبين أخواله الودايا، وعقد لهم حلفا معهم فقاموا بنصرتهم والدفاع عنهم والأخذ بثأرهم من آيت يدراسن حتى صيروا بلادهم حصيدا كأن لم تغن بالأمس، وقتلوا منهم نحو الخمسمائة ولجأ جلهم إلى بلاد شراكة.

ومن آثار احتجاب المترجم ونبذه أمر الرعية وراءه ظهريا وعدم التفاته لكل ما يأتى إليه من أخبار الدولة، اضطراب جل بلاد المغرب وفساد النظام وأكل القوى الضعيف وكثرة الثوار، ولما رأى خليفته بمراكش الرتوق لا تزيد إلا انفتاقا، والسيل قد بلغ الزُّبى، وأن والده لا يجيبه عما يصدر إليه من المكاتب بشرح الوقائع والأحوال، فضلا عن أن يبتدئه بكتاب، جَمَعَ أهلَ الحل والعقد وفاوضهم في الدواء الناجع في جبر ما انصدع، فأشاروا عليه بالمسارعة بالنهوض بنفسه لإخماد ما اتقد من نيران الفتن قبل أن يعم البلاء، ويلتهب اللفح الأبرياء، ولات حين مناص، فجند الجنود، وقوم البنود، وفرق الأموال، واتخذ سائر الاحتياطات اللازمة فيما يأتى وما يذر، ولما كان شوال العام نهض لرباط الفتح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015