موضع غير معين لا يطلع عليها إلا صاحب الوقت المجدد للدين، وتواتر ذلك الخبر الواهى لديهم وتناقله كذلك جيل بعد جيل وقيدوه في دفاترهم، ولم يكن لأحد منهم في صحة ذلك أدنى شك ولا ريب، وما ذلك عند سخفاء العقول سفهاء الأحلام بمستحيل بل ولا بعيد.
وصار هذا الثائر يتحين الفرص لاقتناص الملك والوثوب عليه بالتظاهر بنشر دعاية دينية، إلى أن كانت هيعة الرحامنة المذكورة فاغتنم تلك الفرصة ولم يبق له أدنى شك في أن الحين حان، فأعلن النداء في القبائل السوسية بأنه صاحب الوقت والمجدد الأكبر، وأن علامة صحة دعواه إخراجه طبول ذى القرنين التي هى أكبر علامة عند صغيرهم وكبيرهم على صدق مقاله، فنسل المغفلون إليه من كل حدب وكثير ما هم، واحتف حوله ملأ من الأخلاط عظيم.
ولما رأى كثرة جموعه وإقبالهم عليه ذهب بهم إلى الموضع الذى دفن فيه الطبول وحفرها وأخرج الطبول منها، وهم ينظرون فآمنوا به وصدقوا، ورأوا أنهم قد ظفروا بالضالة المنشودة، والمسلمون ميالون للدين بالطبع، ولا سيما من ليس لديه علم يميز به اللجين من اللجين، والغث من السمين، فاعتروا به وتمسكوا بدعوته، وانتشر خبره في الآفاق، وادعى أنه لا يحتاج إلى بارود ولا سلاح، وقويت عصبيته حتى لم يستطع من تبين أمره ولم تجر عليه حيلة من علماء وعقلاء القطر السوسى وغيرهم أن يفوه ضده ببنت شفة، وكثر القيل والقال فيما وراء سوس من القبائل.
ولما شاع أمره وذاع ولم ينفع الخليفة السلطانى بمراكش تغافل، أرسل من طرفه بعض خاصته الذين حنكتهم التجارب يختلطون بأتباعه ويتبعون حركاته وسكناته ويأتون إليه بأخباره، فساروا إليه ولازموه ملازمة الظل، واتصلوا ببعض العقلاء المميزين الملازمين له، واتخذوهم أصدقاء إلى أن صاروا يفضون إليهم