سجنه وجه لأولاده يأمرهم أن يوجهوا له موسى وسط خبزة كيلا يتفطن السجان لها فيحجزها عنه، ولما بلغته ذبح نفسه بها، وقد كان فيما سلف صد السلطان والد الخليفة عن دخول آكدير ورماه بالأنفاض، وبعد أوبة الخليفة من هذه الحركة لمراكش أخذ في إكمال داره بالبديع وغرس جنان رضوان وجنان العافية وغيرهما.

وفى عام ستة وستين استقر المترجم بداره دار الدبيبغ، وضعفت قواه عن الحركة، وظهر بالمغرب ثوار: فبالغرب عبد الله السفيانى، وببنى مالك الحبيب المالكى الحمادى، وفى أوائل ربيع الأول استقل أهل فاس بأنفسهم وأخذوا يشترون الخيل وجعلوا يركبونها كل بكرة وعشى، واتفقوا على عقاب من لم يشتر الفرس، واستقل كذلك أهل رباط الفتح بأنفسهم وصاروا يولون عليهم ويعزلون ويقتلون ويسجنون، وثار الودايا وطغوا وسعوا في الأرض الفساد، وأصاب الضعفاء والعجزة من البؤس ما كاد أن يقضى عليهم.

وفى هذه السنة ثار البعض من عتاة الرحامنة وراموا نهب مراكش فلم يوافقهم على ذلك أهل الرأى منهم، وخوفوهم عقوبة السلطان، وشدة بطشه، ثم تحين السفهاء منهم فرصة ودخلوا على النساء الحمامات وثارت بسبب ذلك فتنة عظيمة بينهم وبين أهل البلد، وتلفت نفوس، ولما اتصل الخبر بالخليفة السلطانى بارح مراكش للتأهب لكسر شوكة المتمردين خوفا من اتساع الخرق، ونزل بزاوية الشرادى فاهتبل به زعيمها ووجه للرحامنة اللوم والتعنيف والعتاب الأليم، على فعلهم الذميم، وكان لهم فيه اعتقاد قوى ونية صالحة يخشون غضبه ويسعون في مرضاته خوفا من أن يدعو عليهم بما فيه هلاكهم، ولا يشكون في سرعة استجابة دعائه ولا ريب أن ذلك كان من حسن حظ أهل مراكش وسعادة خليفتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015