يلحقهم أدنى سوء من والده، وأنه يسعى في إصلاح ذات البين بينهم وبينه، فرجعوا آيسين من بلوغ مقصدهم، ولم يرجعوا عن غيهم بل تجادوا على الدعاية لسيدى محمد والخطبة به، والمترجم مستعير لذلك كله آذانا صما وعيونا عميا، وولده الخليفة المذكور يرجف فؤاده من ذلك خوفا من أن يظن به والده أنه راض بفعل أولئك الأوغاد الجفاة، وصار يتابع الهدايا ذات البال لوالده استجلابا لمرضاته، وإظهارا لطاعته، ولما تيقن صاحب الترجمة كراهية نجله المذكور لسوء فعل العبيد ورفضه لمطلبهم، رام استجلاب القلوب الشاردة عنه، فصار يفكر في ما يوصله لذلك.

ولما كان يوم الخميس تاسع عشرى شعبان العام أمر بإعلان النداء بسوق الخميس وغيره من أسواق فاس، بأن كل من أتى إليه من العبيد لدار ادبيبغ يعطى خمسمائة مثقال، ومن تخلف فلا يلوم إلا نفسه، فتساقطوا على أعتابه زرافات ووحدانا ووفاهم بما وعد به، وأمرهم بالكتب لإخوانهم الذين بمكناس وغيرها من البلاد بالإتيان لحضرته، وأن كل من أتى يقبض القدر المذكور تأليفا لهم وكفا لأذاهم، فلم يزدهم ذلك إلا نفورا وتمردا وطغيانا، شأن النفوس الخبيثة، ولم يقتصروا في ذلك على أنفسهم، بل أغروا البرابر النازلين بسايس على قتل كل من وجدوه من إخوانهم ذاهبا لفاس، لأنه يعد ناكثا للعهد الذى تعاهدوا عليه، وخارقا لإجماع جموعهم الفاسدة.

فأجمع البرابر أمرهم وشركاءهم ودرسوا الحالة هم عليها وحالة العبيد معهم قديما وحديثا، وما جنوه من ثمار ما زرعوه من الفتن، فتمحض لديهم أن العبيد إنما يسعون وراء ما رأوه مصلحة شخصية لهم، ولو أدى الحال إلى تضحية من سواهم، وأن أكد مصالحهم هلاك البربر.

واتفق رأيهم على الرجوع لطاعة المترجم وعضدهم في رأيهم الأسد رئيسهم محمد واعزيز، ثم كتبوا للمترجم يطلبون عفوه وأمانه فأجابهم بقبول إنابتهم وعدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015