في التظاهر بالقيام عليه، وأقاموا الحجج والبراهين على أن ذلك لم يكن عن اختيار منهم، فقبل المعذرة شأن الكرام، وقال: لا تثريب عليكم، وإنى عاهدت الله أن لا أفعل بأهل تلك المدينة -يعنى فاسا- إلا الخير وكتب بهذا كتابا لأهل فاس.

وفى متم الشهر آب الوفد الفاسى لوطنه فرحا مسرورًا، وقرئ الكتاب السلطانى المشار له على منبر القرويين، وبه وقع الإعلان باستئناف بيعته، وانبرم الصلح بينهم وبين الودايا، وتبادلوا الطعام بالمدينة البيضاء وفاس القديمة، وزينت المدينة إظهارًا للارتياح، وإشهارا لما أقاموه من حفلات الأفراح.

وفى ثالث عشرى قعدة قدم ركب الحجيج الذى كان محصورا بتازا لانقطاع السابلة وتوقد نيران الفتن بها.

وفى يوم السبت تاسع ذى الحجة خرج من فاس وفد من أعيانها لتهنئة جلالة المترجم بغرة عيد الأضحى والمشاركة في أفراحه ومشاهدة فاخر حفلاته، من جملة أعيان ذلك الوفد: القائد قاسم بن الأشهب، والقائد ابن صالح الليرينى، والحاج محمد الصفار، والقاضى أبو محمد عبد القادر بوخريص، وناظر الأحباس التاودى بن أحمد المشاط، فقابلهم بغاية الإجلال وغمرهم بنعمه الضافية، وردهم بعد يومين ردا جميلا.

ثم إن البربر لما علموا بانبرام الصلح بين أهل فاس والمترجم والواديا والعبيد سقط في أيديهم، ورأوا أنهم قد ضلوا وصاروا يضربون أخماسا في أسداس، ويبذلون جهدهم وطاقتهم في اتخاذ الحيل في تفريق الكلمة، ولا سيما لما ثبت لديهم أن العبيد صمموا على الحركة لغزوهم، وأخذوا يغرون القبائل على نصرتهم على ذلك ومعاضدتهم، فلم ير البربر حيلة أنفع لهم من المسارعة لشن الغارات والتضييق على العبيد من كل جهة وقطع الميرة عنهم، ومديد السلب والنهب في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015