ولما وافى عيد الفطر وجه العبيد الذين بمكناسة جماعة من، قوادهم في معية قاضى البلد أبى القاسم العميرى ووجوه الأشراف لحضور العيد مع المترجم والاعتذار عما صدر منهم، وطلب رجوع جنابه إلى عاصمة الملك مكناس.
ولما وصلوا لحضرته ومثلوا بين يديه قابلهم بالعفو والإغضاء، ووصلهم وكساهم ووعدهم بتوجهه للعاصمة المذكورة، فانقلبوا إلى مقارهم فرحين مبتهجين، ولما كانوا في أثناء طريقهم لمكناس اعترضهم البرابر بوادى الجديدة وسلبوهم حتى مما يستر عوراتهم، ولم يفلتوا منهم غير القاضى المذكور أبقوا عليه ثيابه وبغلته.
ثم صارت البرابر تغير على الذين نزلوا بضواحى مكناس وتنهب أموالهم وأولادهم حتى ضاق بهم المتسع، وتفرقوا في البلاد، ولم يبق منهم إلا القواد وشرذمة من أهل الحرف والصنائع، ومات منهم بالزلزال الذى وقع بمكناس خمسة آلاف.
وفى فاتح جمادى الأولى عام ستين قدم قبائل البربر وقبائل العرب لإعانة أهل فاس على محاربة المترجم فنزل القائد الحبيب بإيالته الغرب والخلط، وطليق بدار الأضياف، ونزل محمد واعزيز بأتباعه البرابر بجبل أطغات، وانحجر الودايا بفاس الجديد، والعبيد بقصبة شراقة، وأحاطوا بالمترجم بداره دار الدبيبغ إحاطة السوار بالمعصم.
ولما كان الغد ركب العبيد والعرب وقصدوا دار الدبيبغ والبربر على آثارهم، فلما بلغوا حريم الدار المذكورة اتصل بهم أن البربر غدروا ونهبوا محلتهم فارتاعوا ورجعوا القهقرى منهزمين لا يلوى بعضهم على بعض، وتفرقت تلك الجموع الباغية، وكفى الله المؤمنين القتال، قيل: إن المترجم أغرى واعزيز بمال وجهه إليه ليلا على تفريق تلك الأحزاب ففعل، وسقط في يد أهل فاس وبقوا يتجرعون الغصص في ضيق وعناء يستغيثون فلا يغاثون.