بإخوانهم وتمعنوه تواعدوا على الرحيل لمكناسة بعد ثلاث إجابة لإخوانهم، وفرارا مما لحقهم من إهانة بنى حسن وإضرارهم بهم غاية الإضرار.
فأخبر السلطان بذلك بعض عيونه، وعندما تيقن صدق الخبر طير الإعلام لأخواله الودايا الذين بفاس يحضهم على القدوم عليه من يومهم قبل بلوغ السيل الزبى، واتساع الخرق على المرتق، واشتغل بجمع ماله وأثاثه وحمل ما عز عليه وأسراج خيله مظهرا أنه يريد الرجوع لقصبة أبى فكران حيث كان مخيمه، ولما كان وقت العشاء ورد عليه من خيل أخواله الودايا أربعمائة، فخرج من باب القزدير بجميع ماله وعياله ولم يترك بدار الملك غير النزر مما لا يؤبه به، وسار في معيتهم إلى أن بلغ دار ادبيبغ.
وفى ثالث عشر شعبان اجتمع البربر مع بنى مالك بفاس لقتال الودايا، فتحصنوا بالمدينة البيضاء فاس الجديد، ثم عاث البرابر في الطرقات ونهبوا دار ادبيبغ، وقلعوا أبوابها وحرقوا الأخصاص التي كانت محدقة بها، وجعلوا يغيرون على سرح الودايا ويناوشونهم القتال، ومات من الفريقين عدد عديد، وشبت نيران الفتن وقطع الودايا الماء على فاس القرويين.
وفى يوم الجمعة الخامس عشر من شعبان المذكور وقع التوافق على أن لا يذكر اسم المترجم في الخطب، واشتبكت الفتن وارتبكت وكثر الهرج والمرج، وامتد ذلك نحوم من سبعة وعشرين شهرا.
وفى أوائل رمضان أخلى العبيد مشرع الرمل، وبقيت بيوتهم خاوية بما ظلموا، ولما لحقوا بإخوانهم لمكناسة، نزلوا بالقصبة والمدينة، والأروى وقصبتى بريمة وهدراش، وبعضهم اتخذ الأخصاص والعرائش بضواحى المدينة والرحاب المتسعة وثووا هنالك في البلاد، وخرب بنو حسن ما خلف العبيد بمشرع الرمل من الدور والقصور التي كانوا يتنافسون في تشييدها.