فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال لحاجبه المذكور: يا عبد الوهاب لا خير في رجل يقول لرجل: يا أبت، ثم لا يشفعه في قبيلته، وأمر بتسريحهم فسرحوا، ولما خرجوا ركبوا خيولهم وتوجهوا لحللهم مع رئيسهم وعزيز.
ولما اجتمعوا بإخوانهم قالوا لهم: لقد أحيانا الله حياة جديدة بعد أن متنا فلا بُدَّ لنا من الأخذ بثأرنا مادام فينا عرق ينبض، وأجمعوا أمرهم على الخروج على المترجم والهجوم عليه بعد ثلاث، ومن تخلف منا عاديناه، وبأنواع الأذى والإهانة سمناه، فلم يشعر المترجم إلا وخيولهم مطلة عليه من ناحية الحاجب، فتيقن أن ذلك أمر دبر بليل، ولم يسعه غير حمل عياله وجواريه وإحاطتهم بالخيل والرماة، ثم ركب هو في من بقى معه من الجند وانحدر خلفهم مع بطن الوادى وتفرق العبيد يمين الوادى ويساره، وتركوا كل ما كان بالمحلة من أمتعة وأخبية وعدة ومقومات غنيمة باردة، وشب القتال بين البربر والمحال السلطانية وحمى الوطيس ودام ذلك إلى أن دخل المترجم على باب القزدير أحد أبواب العاصمة المكناسية، فرجع البربر وقد مات منهم خمسمائة مقاتل، ومن العبيد ثلاثمائة وذلك يوم الخميس سابع شعبان العام.
ثم اتفقت كلمة العرب على الخروج على المترجم، ووافقهم على ذلك شيخ العرب محمد الحبيب المالكى الحمادى، وقد كان صاحب الترجمة ولاه على إخوانه سفيان وبنى مالك والخلط وطليق وغيرهم من عرب تلك الناحية، ثم بعثوا إلى أهل فاس يحثونهم على متابعتهم في رفض بيعة المترجم فأجابوهم لذلك، ثم اجتمع رأى العبيد على الانضمام لهؤلاء وكتبوا لإخوانهم يغرونهم على الانخراط في سلكهم والموافقة معهم على ما أبرموا، وحققوا لهم غدر المترجم ووثوبه عليهم إن لم يربئوا بأنفسهم ويغتنموا الفرصة قبل الظفر بهم، ولما اتصل كتاب العبيد