ثم وجه نفرا من حاشيته لطنجة للإتيان بمال الريفى المذكور، فقام في وجوههم أهل طنجة وصدوهم وشتموهم أقبح شتم، بل هموا بالإيقاع بهم لولا أنهم نجوا بأنفسهم، ولما رجعوا للمترجم وأخبروه الخبر ثار غضبه، وأمر بقتل من كان أبقى عليه من أهل طنجة المذكورين.
وبعد ما نفذ الأمر فيهم أخبر صاحب الترجمة أن المال الذى كان قد أخرج من طنجة وأمنه عند عديل بفاس صرف منه في مصالح نفسه عدداً لا يستهان به، فأصدر أوامره بالإتيان بذلك المال، ولما أحضر أمر بوزنه فأخبر من باشر الوزن بأنه يخص من العدد المؤمن اثنان وثلاثون ألف قنطار عدة قديمة، فألزم عديل بأداء العدة فعجز، وضمنه بعض الرؤساء ووتع عليه الإشهاد بالأداء حلولا، وأمر بإعطاء عشرة آلاف مثقال صلة للودايا، سكان فاس الجديد، فكان من أقوى موجبات وغر صدر أهل فاس على صاحب الترجمة، حيث خص الودايا بالعطية دونهم، والحال أنهم -أى الودايا- أول من شق العصا عليه، وهم -أى أهل فاس- أول من تمسك بطاعته وآخر من قاتل دونه.
ومما زاد الطين بلة وطنبور الفتن نغمة أمره للمسخرين من جيشه بكل زرع ما حرثه آيت يدراسن أنصاره بأحواز العاصمة المكناسية انتقاما منهم لتأخرهم عن الإتيان لحضرته للتهنئة بسلامة القدوم، وبعد ذلك كتب الرئيس القبيل المذكور محمد وعزيز يلومه عن التأخر، وقد كانت بينه وبينه صداقة، ومصافاة تامة، حتى كان صاحب الترجمة لا يخاطبه إلا بياأبت، وكل ما يرومه يمضيه بدون أدنى توقف.
ولما وصل الكتاب السلطانى لوعزيز جمع إخوانه وأمرهم بجمع هدية والإتيان إليه بها ليتوجه بها مع وجوههم للحضرة السلطانية، فأظهروا الامتناع وتعللوا بالخوف على أنفسهم إن هم ذهبوا لعدم توقفه في سفك دماء الواردين