الحرب وكل ومل من الغربة وفراق أوطانهم نحو العامين، فصاروا يتسللون حتى لم يبق بالمحال إلا نحو النصف من الجيش ورؤساء القبائل، فرأى المترجم أن الرأى هو أن يرجع لعاصمة ملكه ودافع الراغبين في التوجه لمراكش بالتى هى أحسن، وعين ولده الأمير أبا عبد الله خليفة بها، ووجه به إليها في معية وفدهم وذلك عام ثمان وخمسين ومائة وألف.

ثم ولى وجهه نحو العاصمة، وكان مروره على تادلا وأقام بها أياما، ثم سار إلى أن بلغ لرباط الفتح، واستخلف به ولده أبا العباس أحمد، ثم سار إلى أن خيم بقصبة وادى أبى فكران وذلك في خامس عشرى ربيع الثانى عام تسعة وخمسين ومائة وألف على ما في الترجمان المعرب وغيره، والذى في تاريخ الضعيف أن المترجم دخل مكناسة الزيتون أوائل ربيع الأول والله أعلم.

وفى مهل جمادى الأولى خرج من الحضرة الفاسية وجهاء البلد من العلماء وذوى المناصب لتهنئته بسلامة القدوم وتقديم ما يجب لجلالته، فسر بمقدمهم وقابلهم بكل تجلة وإكبار، ووصلهم وأكرم وفادتهم، ثم ودعهم وأمرهم بالأوبة لوطنهم، ووجه معهم الرماة الذين كانوا معه.

ووفد على حضرته أيضا قائد طنجة ووجهاؤها وأولاد الباشا أحمد المذكور ونساؤه بهدية سنية وتحف نفيسة، وكان عدد الوافدين يتجاوز المائة، ولما مثلوا بين يديه قال لهم: إنه قد بلغنى أنكم استخرجتم مالا كثيرا كان أخفاه الباشا أحمد عند خروجه ثانى مرة لمبارزتى واقتسمتموه فيما بينكم، وأمرهم بشرح الواقع فأجابه سبعة منهم بالإقرار، والباقى بصريح الإنكار، فأمر بزت الجميع بالسجن، وبعد ثلاث سرح السبعة المقرين، وهم: العاقل، وأولاد الباشا، وبنو عمهم وأمر بقتل المنكرين فقتلوا جميعا، وفى ذلك اليوم نفسه قتل من بنى حسن وغيرهم نحو ثلاثمائة نسمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015