ثم نهض المترجم وسار إلى أن حل بفاس مؤيدًا منصورًا، فكسا وفرق الجوائز، وعمم الصلات بدار الدبيبغ إلى ربيع الثانى من عام سبعة وخمسين، فقدم عليه رءوس العبيد وقوادهم ببيعتهم له وإعلامهم بخلع المستضئ، خاضعين معتذرين طالبين عفوه وصفحه عما اقترفوه.

فعفا وصفح على عادته ووصلهم، وأمرهم بالتهيُّؤ لقتال بغاة بنى حسن ومن في حلفهم من شيعة المستضئ كدكالة أخواله وأهل مراكش المتمسكين بطاعته سعيا وراء جمع الكلمة وإطفاء نيران الفتن التي حصت كل شئ، فأجابوه بالامتثال والسمع، وأمرهم باللحوق به لدار ملك أبيه مكناسة الزيتون، وأصدر أوامره للحياينة وشراقة وأولاد جامع وأهل فاس والغرب بالإتيان إليه بحركتهم لأجل ما ذكر.

ثم نهض لمكناس وبها اجتمعت عليه تلك القبائل، ووفدت إليه الوفود ببيعاتها وبعد تجديد البيعة العامة له وهى البيعة الخامسة، كتب الكتائب وجند الجنود، ورتب الجيوش، ونظم المقاتلة، ونهض قاصدًا بنى حسن على طريق الفج ليحول بينهم وبين الشعاب التي يتحصنون بها.

قيل: كان نهوضه في ذى القعدة الحرام من العام، وسار إلى أن وافاهم ببسيط زبيدة، ففروا أمامه للغابة، وخلفوا حللهم وأموالهم غنيدة باردة، وما كان مساء اليوم حتى جاءوا تائبين منيبين، فعفا عنهم ورد عليهم مالهم وارتحل عنهم.

وسار إلى أن نزل بداره من القصبة الكائنة بأبى لعوان بين الشاوية ودكالة، وخيمت عساكره أمامه ببسيط دكالة، وقد كان أهلها فروا مع المستضئ للحور، فأقام المترجم بدكالة سنة كاملة بعساكره، أتى فيها على ما لتلك القبيلة من زرع وضرع، وقطعت أشجارها وهدت قراها ومداشرها وصيرها بلاقع كأن لم تغن بالأمس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015