ثم في غده حمل السلاح الشرفاء الأدارسة وغيرهم وساروا إلى قتل العمارى وأهل الرميلة والصفاح والكدان الذين تعرضوا عليه ونصروه، فاقتتلوا وسلم الله الشرفاء من الجرح والقتل، وقتل العمارى وعدة من أنصاره، ثم افترقوا وكفوا، وهدنت الفتنة والمدينة، ثم سلط الله على أهل الرميلة والصفاح والكدان السارق بوزيان العبادى من أولاد عباد صفرو، ومعه جماعة من سراق إخوته والمزاوغة وبنى يازغة، فكان يأوى لحوز فاس ليلاً ويدخل الديار وينهبهم، فخلت بذلك الحومات الثلاث المذكورة ولم يبق منهم إلَّا القليل، ورجعت تلك الديار بساتين وجنات.
ولم تنزل نيران الفتن والأهوال في توقد، وأمر ابن عريبة في اختلال وانحلال، والدماء تراق، والأموال تؤكل بالباطل، والفوضى ضاربة أطنابها، ونفد ما في بيوت الأموال، وسدت أبواب الجبايات، وتعذرت المصالح العامة، ولم يوجد ما تدفع منه رواتب الجند وانقطعت عن الرؤساء وأولى العصبة مادة ما كانوا يستفيدونه من بيوت الأموال، والأمر في كل يوم يزداد شدة، فاتفقت كلمة العبيد مع رئيسهم الحوات والبعض من الودايا والبربر على خلع ابن عريبة.
وفى صبيحة يوم الأربعاء التاسع والعشرين وقيل الرابع والعشرين من صفر العام أخرجوا ذلك من القول إلى الفعل، فأعلنوا بخلعه، ولم يقتصروا على الخلع، بل ألقوا عليه القبض وعقلوه بداره الواقعة على ضفة وادى يسلن جوار حمرية التي لازالت معروفة إلى الآن خارج العاصمة المكناسية، والهرج والمرج والخلاف في ازدياد، فرأى آيت عياش أن لا مخلص من ذلك إلَّا الرجوع لطاعة المترجم واستئناف البيعة له، فذهبوا إليه لتافيلالت مقر سلفه فشرحوا إليه جميع ما حل بالرعية من الأحداث، وما أوصلها التنازع إليه من الفشل وذهاب الريح، وما آل إليه أمر صنوه ابن عريبة والمنازعين له من إخوته، وألحوا عليه في القدوم معهم