يقاربه، وكذلك الذرة حتَّى كاد أن ينقطع الطَّعام من فاس، وكان وزن الخبزة التي تباع بالسوق بموزونة خمس أواقى بالبقالى، وافتضح وجوه النَّاس وأعيانهم، وخلت المدينة وسدت حومات متعددة، مثل حومة الكدان؛ ودرب اللمطى، وحومة الأقواس، والبليدة، والطالعة، والدوح، وسدت الأسواق إلَّا القليل، وهدمت الديار وبيعت، ومات من النَّاس ما لا يعلمه إلَّا الله، حتَّى ذكر بعض النَّاس ممن أثق به أنَّه وصل للمارستان من الموتى في رجب وشعبان ورمضان نحو الثمانين ألفاً، فضلاً عمن لم يصل إليه وكانت الدار التي قيمتها عشرة (كذا) مائة مثقال تباع بثمانين مثقالاً وسبعين ولا تبلغ المائة، وانجلى كثير من النَّاس عن المدينة وذهبوا إلى القصر، وتطاوين.

وممن ذهب بعياله لتطاوين العلامة سيدى محمد بن عبد السَّلام بنانى شارح الاكتفاء، واندثرت بسبب ذلك قبائل كثيرة من أهل فاس، ولولا أن النصارى أتوا بالزرع من بلادهم لتطاوين ونواحيها وجلبه أهل فاس لهلك الكل جوعاً، وقد كان وإلى تلك البلاد أحمد بن عبد الله الريفى ذا إبل عديدة اكتراها منه أهل فاس لحمل ما اكتالوه من المغيرة، قيل: إنه ساعدهم على الكراء ظاهرا، ومنع الحمالين من الحمل باطناً، وتمرد عليهم ستة أشهر حتَّى تحقق لديه أن أكثر العائلات الكبيرة الذين لا يقدرون على التنقل لبلد آخر من قلة الزاد وكثرة أفراد العائلة ماتوا جوعاً فسر بذلك باطناً، وساعدهم ظاهراً، ووصل الزرع لفاس، وانجلت الأزمة التي حصت منهم كل شيء، ولما أتى ركب الحجاج من طرابلس أتى معه بالقمح الكثير وانحط السعر ورحم الله عباده.

قال ابن إبراهيم في تقاييده لدى تعرضه لهذه الأحداث ما لفظه: كان اللصوص يأتون ليلاً لديار النَّاس ينهبونها ومن قام معهم يقتلونه ويأخذون جميع ما وجدوه، فكانوا يأتون لرأس الجنان والمخفية ومصمودة والطالعة والدوح وسوق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015